مشين كما اهتزت رماح تسفّهت |
|
أعاليها مرّ الرياح النّواسم |
ومنه السفاهة في الفعل وهو ارتكاب أفعال لا يرضى بها أهل المروءة. والسفه في المال وهو إضاعته وقلة المبالاة به وسوء تنميته. وسفهه بمعنى استخفه وأهانه لأن الاستخفاف ينشأ عنه الإهانة وسفه صار سفيها وقد تضم الفاء في هذا.
وانتصاب (نَفْسَهُ) إما على المفعول به أي أهملها واستخفها ولم يبال بإضاعتها دنيا وأخرى ويجوز انتصابه على التمييز المحول عن الفاعل وأصله سفهت نفسه أي خفت وطاشت فحوّل الإسناد إلى صاحب النفس على طريقة المجاز العقلي للملابسة قصدا للمبالغة وهي أن السفاهة سرت من النفس إلى صاحبها من شدة تمكنها بنفسه حتى صارت صفة لجثمانه ، ثم انتصب الفاعل على التمييز تفسيرا لذلك الإبهام في الإسناد المجازي ، ولا يعكر عليه مجيء التمييز معرفة بالإضافة لأن تنكير التمييز أغلبي.
والمقصود من قوله : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) تسفيه المشركين في إعراضهم عن دعوة الإسلام بعد أن بين لهم الرسول صلىاللهعليهوسلم أن الإسلام مقام على أساس الحنيفية وهي معروفة عندهم بأنها ملة إبراهيم قال تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [النحل : ١٢٣] وقال في الآية السابقة (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) [البقرة : ١٢٨] وقال : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ) [البقرة : ١٣٢] إلى قوله : (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة : ١٣٢].
وجملة (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ) معطوفة على الجمل التي قبلها الدالة على رفعة درجة إبراهيم عند الله تعالى إذ جعله للناس إماما وضمن له النبوءة في ذريته وأمره ببناء مسجد لتوحيده واستجاب له دعواته.
وقد دلت تلك الجمل على اختيار الله إياه فلا جرم أعقبت بعطف هذه الجملة عليها لأنها جامعة لفذلكتها وزائدة بذكر أنه سيكون في الآخرة من الصالحين. واللام جواب قسم محذوف وفي ذلك اهتمام بتقرير اصطفائه وصلاحه في الآخرة.
ولأجل الاهتمام بهذا الخبر الأخير أكد بقوله : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) فقوله : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ) إلى آخره اعتراض بين جملة (اصْطَفَيْناهُ) وبين الظرف وهو قوله : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ) ، إذ هو ظرف لاصطفيناه وما عطف عليه ، قصد من هذه الظرفية التخلّص إلى منقبة أخرى ، لأن ذلك الوقت هو دليل اصطفائه حيث خاطبه الله