الإثم ولذا عبر هنالك بالكسب المتعارف في الادخار والتنافس وعبر هنا بالعمل. وإنما نفى السؤال عن العمل لأنه أقل أنواع المؤاخذة بالجريمة فإن المرء يؤخذ بجريمته فيسأل عنها ويعاقب وقد يسأل المرء عن جريمة غيره ولا يعاقب كما يلام على القوم فعل بعضهم ما لا يليق وهو شائع عند العرب قال زهير :
لعمري لنعم الحيّ جرّ عليهم |
|
بما لا يواتيهم حصين بن ضمضم |
فنفي أصل السؤال أبلغ وأشمل للأمرين ، وإن جعلت قوله : (وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) مرادا به الأعمال الذميمة المحيطة بهم كان قوله : (وَلا تُسْئَلُونَ) إلخ احتراسا واستيفاء لتحقيق معنى الاختصاص أي كل فريق مختص به عمله أو تبعته ولا يلحق الآخر من ذلك شيء ولا السؤال عنه ، أي لا تحاسبون بأعمال سلفكم وإنما تحاسبون بأعمالكم.
[١٣٥] (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٣٥))
(وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا).
الظاهر أنه عطف على قوله : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) [البقرة : ١٣٠] ، فإنه بعد أن ذمهم بالعدول عن تلقي الإسلام الذي شمل خصال الحنيفية بين كيفية إعراضهم ومقدار غرورهم بأنهم حصروا الهدى في اليهودية والنصرانية أي كل فريق منهم حصر الهدى في دينه.
ووجه الحصر حاصل من جزم (تَهْتَدُوا) في جواب الأمر فإنه على تقدير شرط فيفيد مفهوم الشرط أن من لم يكن يهوديا لا يراه اليهود مهتديا ومن لم يكن نصرانيا لا يراه النصارى مهتديا أي نفوا الهدى عن متبع ملة إبراهيم وهذا غاية غرورهم.
والواو في قال عائدة لليهود والنصارى بقرينة مساق الخطاب في (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) [البقرة : ١٣٣] وقوله : (وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) [البقرة : ١٣٤].
و (أو) في قوله : (أَوْ نَصارى) تقسيم بعد الجمع لأن السامع يرد كلا إلى من قاله ، وجزم (تَهْتَدُوا) في جواب الأمر للإيذان بمعنى الشرط ليفيد بمفهوم الشرط أنكم إن كنتم على غير اليهودية والنصرانية فلستم بمهتدين.
(قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).