٦٧] ومثل قوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [آل عمران : ٦٥] والأمة إذا انغمست في الجهالة وصارت عقائدها غرورا ومن دون تدبر اعتقدت ما لا ينتظم مع الدليل واجتمعت في عقائدها المتناقضات ، وقد وجد النبي صلىاللهعليهوسلم يوم الفتح في الكعبة صورة إبراهيم يستقسم بالأزلام في الكعبة فتلا قوله تعالى : (ما كانَ إِبْراهِيمُ) إلى قوله : (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [آل عمران : ٦٧] وقال الله : وإن استقسم بها قط ، وقال تعالى في شأن أهل الكتاب : (وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ). فرماهم بفقد التعقل.
وقرأ الجمهور وأبو بكر عن عاصم ورويس عن يعقوب بياء الغائب وقرأه ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم بتاء الخطاب على أن أم متصلة معادلة لقوله (أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ) [البقرة : ١٣٩] فيكون قوله : (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) أمرا ثانيا لا حقا لقوله : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا) وليس هذا المحمل بمتعين لأن في اعتبار الالتفات مناصا من ذلك.
ومعنى (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) التقدير ، وقد أعلمنا الله أن إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا وهذا كقوله في سورة آل عمران [٦٥] : قل (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ).
وقد استفيد من التقرير في قوله : (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) أنه أعلمهم بأمر جهلته عامتهم وكتمته خاصتهم ولذلك قال : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) يشير إلى خاصة الأحبار والرهبان الذين تركوا عامة أمتهم مسترسلين على عقائد الخطأ والغرور والضلالة وهم ساكتون لا يغيرون عليهم إرضاء لهم واستجلابا لمحبتهم وذلك أمر إذا طال على الأمة تعودته وظنت جهالتها علما فلم ينجع فيها إصلاح بعد ذلك لأنها ترى المصلحين قد أتوا بما لم يأت به الأولون فقالوا : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٣].
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
هذا من جملة المقول المحكي بقوله : (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بأن يقول لهم ذلك تذكيرا لهم بالعهد الذي في كتبهم عسى أن يراجعوا أنفسهم ويعيدوا النظر إن كانوا مترددين أو أن يفيئوا إلى الحق إن كانوا متعمدين المكابرة.