وقصير ، ومنه ما ينقطع ومنه ما ينتهي إلى تمام الكلام» ، وقال الزمخشري : «الآيات علم توقيفي».
وأنا أقول : لا يبعد أن يكون تعيين مقدار الآية تبعا لانتهاء نزولها ، وأمارته وقوع الفاصلة.
والذي استحصلته أنّ الفواصل هي الكلمات التي تتماثل في أواخر حروفها أو تتقارب ، مع تماثل أو تقارب صيغ النطق بها وتكرّر في السورة تكررا يؤذن بأنّ تماثلها أو تقاربها مقصود من النظم في آياته كثيرة متماثلة ، تكثر وتقل ، وأكثرها قريب من الأسجاع في الكلام المسجوع. والعبرة فيها بتماثل صيغ الكلمات من حركات وسكون وهي أكثر شبها بالتزام ما لا يلزم في القوافي. وأكثرها جار على أسلوب الأسجاع.
والذي استخلصته أيضا أنّ تلك الفواصل كلّها منتهى آيات ولو كان الكلام الذي تقع فيه لم يتمّ فيه الغرض المسوق إليه ، وأنّه إذا انتهى الغرض المقصود من الكلام ولم تقع عند انتهائه فاصلة لا يكون منتهى الكلام نهاية آية إلّا نادرا كقوله تعالى : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) [ص : ١] ، فهذا المقدار عد آية وهو لم ينته بفاصلة ، ومثله نادر ، فإنّ فواصل تلك الآيات الواقعة في أول السورة أقيمت على حرف مفتوح بعد ألف مدّ بعدها حرف ، مثل : شقاق ، مناص ، كذّاب ، عجاب.
وفواصل بنيت على حرف مضموم مشبع بواو ، أو على حرف مكسور مشبع بياء ساكنة ، وبعد ذلك حرف ، مثل : (أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) [ص : ٦٨] (إِذْ يَسْتَمِعُونَ) [الإسراء : ٤٧] ، (نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الأعراف : ١٨٤] ، (مِنْ طِينٍ) [الأنعام : ٢].
فلو انتهى الغرض الذي سيق له الكلام ، وكانت فاصلة تأتي بعد انتهاء الكلام تكون الآية غير منتهية ولو طالت ، كقوله تعالى : (قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ) إلى قوله : (وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) [ص : ٢٤] ، فهذه الجمل كلّها عدّت آية واحدة.
واعلم أن هذه الفواصل من جملة المقصود من الإعجاز لأنّها ترجع إلى محسنات الكلام وهي من جانب فصاحة الكلام ، فمن الغرض البلاغي الوقوف عند الفواصل لتقع في الأسماع فتتأثّر نفوس السامعين بمحاسن ذلك التماثل ، كما تتأثر بالقوافي في الشعر وبالأسجاع في الكلام المسجوع. فإنّ قوله تعالى : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) بالقوافي (وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ) [غافر : ٧١] (فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) [غافر : ٧٢] (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ