إن الغرض الأكبر للقرآن هو إصلاح الأمة بأسرها ، فإصلاح كفارها بدعوتهم إلى الإيمان ونبذ العبادة الضالة واتباع الإيمان والإسلام ، وإصلاح المؤمنين بتقويم أخلاقهم وتثبيتهم على هداهم وإرشادهم إلى طرق النجاح وتزكية نفوسهم ولذلك كانت أغراضه مرتبطة بأحوال المجتمع في مدة الدعوة ، فكانت آيات القرآن مستقلا بعضها عن بعض ، لأن كل آية منه ترجع إلى غرض الإصلاح والاستدلال عليه ، وتكميله وتخليصه من تسرب الضلالات إليه فلم يلزم أن تكون آياته متسلسلة ، ولكن حال القرآن كحال الخطيب يتطرق إلى معالجة الأحوال الحاضرة على اختلافها وينتقل من حال إلى حال بالمناسبة ولذلك تكثر في القرآن الجمل المعترضة لأسباب اقتضت نزولها أو بدون ذلك ؛ فإن كل جملة تشتمل على حكمة وإرشاد أو تقويم معوج ، كقوله : (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ) ـ إلى قوله ـ (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) [آل عمران : ٧٢ ، ٧٣] فقوله : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) جملة معترضة.
وقوف القرآن
الوقف هو قطع الصوت عن الكلمة حصة يتنفس في مثلها المتنفس عادة ، والوقف عند انتهاء جملة من جمل القرآن قد يكون أصلا لمعنى الكلام فقد يختلف المعنى باختلاف الوقف مثل قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) [آل عمران : ١٤٦] فإذا وقف عند كلمة (قاتَلَ) كان المعنى أن أنبياء كثيرين قتلهم قومهم وأعداؤهم ، ومع الأنبياء أصحابهم فما تزلزلوا لقتل أنبيائهم فكان المقصود تأييس المشركين من وهن المسلمين على فرض قتل النبي صلىاللهعليهوسلم في غزوته على نحو قوله تعالى في خطاب المسلمين : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) [آل عمران : ١٤٤] الآية ، وإذا وصل قوله : (قاتَلَ) عند قوله (كَثِيرٌ) كان المعنى أنّ أنبياء كثيرين قتل معهم رجال من أهل التقوى فما وهن من بقي بعدهم من المؤمنين وذلك بمعنى قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) إلى قوله : (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [آل عمران : ١٦٩ ، ١٧٠].
وكذلك قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) [آل عمران : ٧] الآية ، فإذا وقف عند قوله : (إِلَّا اللهُ) كان المعنى أن المتشابه الكلام الذي لا يصل فهم الناس إلى تأويله وأن علمه ممّا اختصّ الله به مثل اختصاصه بعلم الساعة وسائر الأمور الخمسة وكان ما بعده ابتداء كلام يفيد أنّ الراسخين يفوضون فهمه إلى الله