تعالى ، وإذا وصل قوله : (إِلَّا اللهُ) بما بعده كان المعنى أنّ الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه في حال أنّهم يقولون آمنا به.
وكذلك قوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) [الطلاق : ٤] فإنّه لو وقف على قوله : (ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) وابتدأ بقوله : (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) وقع قوله : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) [الطلاق : ٤] معطوفا على (اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) فيصير قوله : (أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) خبرا عن (اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ) ولكنّه لا يستقيم المعنى إذ كيف يكون للّاء لم يحضن حمل حتى يكون أجلهن أن يضعن حملهنّ.
وعلى جميع التقادير لا تجد في القرآن مكانا يجب الوقف فيه ولا يحرم الوقف فيه كما قال ابن الجزري في «أرجوزته» ، ولكن الوقف ينقسم إلى أكيد حسن ودونه وكل ذلك تقسيم بحسب المعنى. وبعضهم استحسن أن يكون الوقف عند نهاية الكلام وأن يكون ما يتطلب المعنى الوقف عليه قبل تمام المعنى سكتا وهو قطع الصوت حصّة أقل من حصة قطعه عند الوقف ، فإنّ اللغة العربية واضحة وسياق الكلام حارس من الفهم المخطئ ، فنحو قوله تعالى : (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) [الممتحنة : ١] لو وقف القارئ على قوله : (الرَّسُولَ) لا يخطر ببال العارف باللغة أن قوله : (وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) تحذير من الإيمان بالله ، وكيف يخطر ذلك وهو موصوف بقوله : (رَبِّكُمْ) فهل يحذر أحد من الإيمان بربّه.
وكذلك قوله تعالى : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) [النازعات : ٢٧] فإنّ كلمة (بَناها) هي منتهى الآية والوقف عند (أَمِ السَّماءُ) ولكن لو وصل القارئ لم يخطر ببال السامع أن يكون (بَناها) من جملة (أَمِ السَّماءُ) لأنّ معادل همزة الاستفهام لا يكون إلّا مفردا.
على أنّ التعدد في الوقف قد يحصل به ما يحصل بتعدد وجوه القراءات من تعدّد المعنى مع اتحاد الكلمات ، فقوله تعالى : (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً) [الإنسان : ١٥ ، ١٦] فإذا وقف على (قَوارِيرَا) الأول كان (قَوارِيرَا) الثاني تأكيدا لرفع احتمال المجاز في لفظ (قَوارِيرَا) ، وإذا وقف على (قَوارِيرَا) الثاني كان المعنى الترتيب والتصنيف ، كما يقال : قرأ الكتاب بابا بابا ، وحضروا صفا صفا ، وكان قوله (مِنْ فِضَّةٍ) عائد إلى قوله : (بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ).