من القرآن» ، وأثبت القنوت الذي يقال في صلاة الصبح على أنه سورة من القرآن سماها سورة الخلع والخنع ، وجعل سورة الفيل وسورة قريش سورة واحدة ، وكل ذلك استنادا لما فهمه من نزول القرآن. ولم يحفظ عن جمهور الصحابة حين جمعوا القرآن أنهم ترددوا ولا اختلفوا في عدد سوره ، وأنها مائة وأربع عشرة سورة ، روى أصحاب «السنن» عن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا نزلت الآية يقول : ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا ، وكانت السور معلومة المقادير منذ زمن النبي صلىاللهعليهوسلم محفوظة عنه في قراءة الصلاة وفي عرض القرآن ، فترتيب الآيات في السور هو بتوقيف من النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكذلك عزا ابن عطية إلى مكي بن أبي طالب وجزم به السيوطي في «الإتقان» ، وبذلك يكون مجموع السورة من الآيات أيضا توقيفيا ، ولذلك نجد في «الصحيح» أن النبي صلىاللهعليهوسلم قرأ في الصلاة سورة كذا وسورة كذا من طوال وقصار ، ومن ذلك حديث صلاة الكسوف ، وفي «الصحيح» أن رجلا سأل النبي صلىاللهعليهوسلم أن يزوجه امرأة فقال له النبي : «هل عندك ما تصدقها؟» قال : لا ، فقال : «ما معك من القرآن؟» قال : سورة كذا وسورة كذا لسور سماها ، فقال : «قد زوّجتكها بما معك من القرآن» وسيأتي مزيد شرح لهذا الغرض عند الكلام على أسماء السور.
وفائدة التسوير ما قاله صاحب «الكشاف» في تفسير قوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣] «إن الجنس إذا انطوت تحته أنواع كان أحسن وأنبل من أن يكون ببّانا (١) واحدا ، وإن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأهز لعطفه كالمسافر إذا علم أنه قطع ميلا أو طوى فرسخا».
وأما ترتيب السور بعضها إثر بعض ، فقال أبو بكر الباقلاني : يحتمل أن النبي صلىاللهعليهوسلم هو الذي أمر بترتيبها كذلك ، ويحتمل أن يكون ذلك من اجتهاد الصحابة ، وقال الداني : كان جبريل يوقف رسول الله على موضع الآية وعلى موضع السورة وفي «المستدرك» عن زيد بن ثابت أنه قال : «كنا عند رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع» قال البيهقي : تأويله أنهم كانوا يؤلفون آيات السور. ونقل ابن عطية عن الباقلاني الجزم بأن ترتيب السور بعضها إثر بعض هو من وضع زيد بن ثابت بمشاركة عثمان ، قال ابن عطية : وظاهر الأثر أن السبع الطوال والحواميم والمفصل كانت مرتبة في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكان من السور ما
__________________
(١) ببّانا بموحدتين ثانيتهما مشددة ونون. قال السيد : هو الشيء ، وكأن الكلمة يمانية.