المقدمة الأولى
في التفسير والتأويل وكون التفسير علما
التفسير مصدر فسّر بتشديد السين الذي هو مضاعف فسر بالتخفيف ، من بابي نصر وضرب الذي مصدره الفسر ، وكلاهما فعل متعد فالتضعيف ليس للتعدية. والفسر الإبانة والكشف لمدلول كلام أو لفظ بكلام آخر هو أوضح لمعنى المفسّر عند السامع ، ثم قيل المصدران والفعلان متساويان في المعنى ، وقيل يختص المضاعف بإبانة المعقولات ، قاله الراغب وصاحب «البصائر» ، وكأن وجهه أن بيان المعقولان يكلف الذي يبينه كثرة القول ، كقول أوس بن حجر (١) :
الألمعيّ الذي يظن بك الظ |
|
ن كأن قد رأى وقد سمعا |
فكان تمام البيت تفسيرا لمعنى الألمعي ، وكذلك الحدود المنطقية المفسّرة للمواهي والأجناس ، لا سيما الأجناس العالية الملقبة بالمقولات ، فناسب أن يخص هذا البيان بصيغة المضاعفة ، بناء على أن فعّل المضاعف إذا لم يكن للتعدية كان المقصود منه الدلالة على التكثير من المصدر ، قال في «الشافية» : «وفعّل للتكثير غالبا» وقد يكون التكثير في ذلك مجازيّا واعتباريا بأن ينزل كدّ الفكر في تحصيل المعاني الدقيقة ، ثم في اختيار أضبط الأقوال لإبانتها منزلة العمل الكثير كتفسير صحار العبدي (٢) وقد سأله معاوية عن البلاغة فقال : «أن تقول فلا تخطئ ، وتجيب فلا تبطئ» ثم قال لسائله أقلني : «لا تخطئ ولا تبطئ». ويشهد لهذا قوله تعالى : (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) [الفرقان : ٣٣].
فأما إذا كان فعّل المضاعف للتعدية فإنّ إفادته التكثير مختلف فيها ، والتحقيق أن
__________________
(١) كما في «الصحاح» و«التهذيب» ، ويروى لبشر بن أبي خازم يرثي فضالة بن كلدة كما في «العباب».
(٢) صحار بضم الصاد وتخفيف الحاء المهملتين ، وهو ابن عياش ، بليغ من بلغاء قبيلة عبد القيس في صدر الدولة الأموية.