الجراد في غرائر فضمه ذلك ذكاة له ، وقد ذكر في «الموطأ» حديث عمر وقول كعب الأحبار في الجراد إنه من الحوت وبينت توهم كعب الأحبار في كتابي المسمى «كشف المغطى على الموطأ»(١).
وأما الدّم فإنما نص الله على تحريمه لأن العرب كانت تأكل الدم ، كانوا يأخذون المباعر فيملئونها دما ثم يشوونها بالنار ويأكلونها ، وحكمة تحريم الدم أن شربه يورث ضراوة في الإنسان فتغلظ طباعه ويصير كالحيوان المفترس ، وهذا مناف لمقصد الشريعة ، لأنها جاءت لإتمام مكارم الأخلاق وإبعاد الإنسان عن التهور والهمجية ، ولذلك قيد في بعض الآيات بالمسفوح أي المهراق ، لأنه كثير لو تناوله الإنسان اعتاده ولو اعتاده أورثه ضراوة ، ولذا عفت الشريعة عما يبقى في العروق بعد خروج الدم المسفوح بالذبح أو النحر ، وقاس كثير من الفقهاء نجاسة الدم على تحريم أكله وهو مذهب مالك ، ومداركهم في ذلك ضعيفة ، ولعلهم رأوا مع ذلك أن فيه قذارة.
والدم معروف مدلوله في اللغة وهو إفراز من المفرزات الناشئة عن الغذاء وبه الحياة وأصل خلقته في الجسد آت من انقلاب دم الحيض في رحم الحامل إلى جسد الجنين بواسطة المصران المتصل بين الرحم وجسد الجنين وهو الذي يقطع حين الولادة ، وتجدده في جسد الحيوان بعد بروزه من بطن أمه يكون من الأغذية بواسطة هضم الكبد للغذاء المنحدر إليها من المعدة بعد هضمه في المعدة ويخرج من الكبد مع عرق فيها فيصعد إلى القلب الذي يدفعه إلى الشرايين وهي العروق الغليظة وإلى العروق الرقيقة بقوّة حركة القلب بالفتح والإغلاق حركة ماكينية هوائية ، ثم يدور الدم في العروق منتقلا من بعضها إلى بعض بواسطة حركات القلب وتنفس الرئة وبذلك الدوران يسلم من التعفن فلذلك إذا تعطلت دورته حصة طويلة مات الحيوان.
ولحم الخنزير هو لحم الحيوان المعروف بهذا الاسم. وقد قال بعض المفسرين : إن العرب كانوا يأكلون الخنزير الوحشي دون الإنسي ، أي لأنهم لم يعتادوا تربية الخنازير وإذا كان التحريم واردا على الخنزير الوحشي فالخنزير الإنسي أولى بالتحريم أو مساو للوحشي.
وذكر اللحم هنا لأنه المقصود للأكل فلا دلالة في ذكره على إباحة شيء آخر منه
__________________
(١) «كشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ».