عين المراد من قوله : (الَّذِينَ يَكْتُمُونَ) [البقرة : ١٧٤] ، و (الَّذِينَ اشْتَرَوُا) [البقرة : ١٧٥] ، فالموصولات كلها على نسق واحد.
والمراد من الكتاب المجرور بفي يحتمل أنه المراد من الكتاب في قوله : (نَزَّلَ الْكِتابَ) فهو القرآن فيكون من الإظهار في مقام الإضمار ليناسب استقلال جملة التذييل بذاتها ويكون المراد باختلفوا على هذا الوجه أنهم اختلفوا مع الذين آمنوا منهم أو اختلفوا فيما يصفون به القرآن من تكذيب به كلّه أو تكذيب ما لا يوافق هواهم وتصديق ما يؤيد كتبهم ، ويحتمل أن المراد من الكتاب المجرور بفي هو المراد من المنصوب في قوله : (ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ) [البقرة : ١٧٤] يعني التوراة والإنجيل أي اختلفوا في الذي يقرّونه والذي يغيرونه وفي الإيمان بالإنجيل والإيمان بالتوراة ، ومن المحتمل أن يكون المراد بالذين اختلفوا في الكتاب ما يشمل المشركين وأن يكون الاختلاف هو اختلاف معاذيرهم عن القرآن إذ قالوا : سحر أو شعر أو كهانة أو أساطير الأولين. لكنه خروج عن سياق الكلام على أهل الكتاب ، ومن المحتمل أيضا أن يكون المراد بالكتاب الجنس أي الذين اختلفوا في كتب الله فآمنوا ببعضها وكفروا بالقرآن.
وفائدة الإظهار في مقام الإضمار في قوله : (الْكِتابَ) أن يكون التذييل مستقلا بنفسه لجريانه مجرى المثل ، وللمفسرين وجوه كثيرة في قوله : (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ) متفاوتة البعد.
ووصف الشقاق بالبعيد مجاز عقلي أي بعيد صاحبه عن الوفاق كقوله تعالى : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) [هود : ١١٨].
(لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧))
قدّمنا عند قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [البقرة : ١٥٣] أن قوله : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) متصل بقوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) [البقرة : ١٤٢] ، وأنه