بها ، فهذه الآية بهذا المعنى فيها إشارة إلى ترجيح أحد المعنيين من الكلام الموجه أقوى من آية : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ : ٢٤].
وقد سلك في هذا الجواب لهم طريق الإعراض والتبكيت لأن إنكار هم كان عن عناد لا عن طلب الحق فأجيبوا بما لا يدفع عنهم الحيرة ولم تبين لهم حكمة تحويل القبلة ولا أحقية الكعبة بالاستقبال وذلك ما يعلمه المؤمنون.
فأما إذا جرينا على قول الذين نسبوا إلى اليهود استقبال جهة المغرب وإلى النصارى استقبال جهة المشرق من المفسرين فيأتي على تفسيرهم أن تقول إن ذكر المشرق والمغرب إشارة إلى قبلة النصارى وقبلة اليهود ، فيكون الجواب جوابا بالإعراض عن ترجيح قبلة المسلمين لعدم جدواه هنا ، أو يكون قوله : (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) إيماء إلى قبلة الإسلام ، والمراد بالصراط المستقيم هنا وسيلة الخير وما يوصل إليه كما تقدم في قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة : ٦] فيشمل ذلك كل هدي إلى خير ومنه الهدى إلى استقبال أفضل جهة. فجملة : (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) حال من اسم الجلالة ولا يحسن جعلها بدل اشتمال من جملة : (لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) لعدم وضوح اشتمال جملة: (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) على معنى جملة : (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) إذ مفاد الأولى أن الأرض جميعها لله أي فلا تتفاضل الجهات ومفاد الثانية أن الهدى بيد الله.
واتفق علماء الإسلام على أن استقبال الكعبة أي التوجه إليها شرط من شروط صحة الصلاة المفروضة والنافلة إلّا لضرورة في الفريضة كالقتال والمريض لا يجد من يوجهه إلى جهة القبلة أو لرخصة في النافلة للمسافر إذا كان راكبا على دابة أو في سفينة لا يستقر بها. فأما الذي هو في المسجد الحرام ففرض عليه استقبال عين الكعبة من أحد جوانبها ومن كان بمكة في موضع يعاين منه الكعبة فعليه التوجه إلى جهة الكعبة التي يعاينها فإذا طال الصف من أحد جوانب الكعبة وجب على من كان من أهل الصف غير مقابل لركن من أركان الكعبة أن يستدير بحيث يصلون دائرين بالكعبة صفا وراء صف بالاستدارة ، وأما الذي تغيب ذات الكعبة عن بصره فعليه الاجتهاد بأن يتوخى أن يستقبل جهتها فمن العلماء من قال يتوخّى المصلي جهة مصادفة عين الكعبة بحيث لو فرض خط بينه وبين الكعبة لوجد وجهه قبالة جدارها ، وهذا شاق يعسر تحققه إلّا بطريق أرصاد علم الهيئة (١) ويعبر
__________________
(١) قاله ابن رشد في البداية (١ / ١١١) ، دار لمعرفة ، وفيه إن اسابة العين شيء لا يدرك إلا ـ