ثم ذكر اليتامى وهم مظنة الضعف لظهور أن المراد اليتيم المحتاج حاجة دون الفقر وإنما هو فاقد ما كان ينيله أبوه من رفاهية عيش ، فإيتاؤهم المال يجبر صدع حياتهم. وذكر السائلين وهم الفقراء. والمسكنة : الذال مشتقة من السكون ووزن مسكني مفعيل للمبالغة مثل منطيق. والمسكين الفقير الذي أذله الفقر وقد اتفق أئمة اللغة أن المسكين غير الفقير هو أقل فقرا من الفقير وقيل هو أشد فقرا وهذا قول الجمهور وقد يطلق أحدهما في موضع الآخر إذا لم يجتمعا وقد اجتمع في قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) [التوبة : ٦٠] ونظيرها في ذكر هؤلاء الأربعة قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [البقرة : ٢١٥].
وذكر السائلين وهم الفقراء كنى عنهم بالسائلين لأن شأن المرء أن تمنع نفسه من أن يسأل الناس لغير حاجة غالبا. فالسؤال علامة الحاجة غالبا ، ولو أدخل الشك في العلامات الاعتيادية لارتفعت الأحكام فلو تحقق غنى السائل لما شرع إعطاؤه لمجرد سؤاله ، ورووا : «للسائل حق ولو جاء راكبا على فرس» وهو ضعيف.
وذكر ابن السبيل وهو الغريب أعني الضيف في البوادي ؛ إذ لم يكن في القبائل نزل أو خانات أو فنادق ولم يكن السائر يستصحب معه المال وإنما يحمل زاد يومه ولذلك كان حق الضيافة فرضا على المسلمين أي في البوادي ونحوها. وذكر الرقاب والمراد فداء الأسرى وعتق العبيد. ثم ذكر الزكاة وهي حق المال لأجل الغنى ومصارفها مذكورة في آياتها.
وذكر الوفاء بالعهد لما فيه من الثقة بالمعاهد ومن كرم النفس وكون الجد والحق لها دربة وسجية ، وإنما قيد بالظرف وهو إذا عاهدوا أي وقت حصول العهد فلا يتأخر وفاؤهم طرفة عين ، وفيه تنبيه على وجوب الاحتياط عند بذل العهد بحيث لا يعاهد حتى يتحقق أنه يستطيع الوفاء كأنه يقول : فإن علموا ألا يفوا فلا يعاهدوا. وعطف (وَالْمُوفُونَ) على (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) وغير أسلوب الوصف فلم يقل ومن أوفى بعهده للدلالة على مغايرة الوصفين بأن الأول من علائق حق الله تعالى وأصول الدين والثاني من حقوق العباد.
وذكر الصابرين في البأساء لما في الصبر من الخصائص التي ذكرناها عند قوله تعالى : وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) [البقرة : ٤٥] ثم ذكر مواقعه التي لا يعدوها وهي حالة الشدة ، وحالة الضر ، وحالة القتال ، فالبأساء والضراء اسمان على وزن فعلاء وليسا