التنبيه على كثرة ذلك الجمع أجروا وصفه على صيغة جمع المؤنث ليكون في معنى الجماعات وأن الجمع ينحل إلى جماعات كثيرة ، ولذلك فأنا أرى أن معدودات أكثر من معدودة ولأجل هذا قال تعالى : (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) [البقرة : ٨٠] لأنهم يقللونها غرورا أو تغريرا ، وقال هنا (مَعْدُوداتٍ) لأنها ثلاثون يوما ، وقال في الآية الآتية : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) [البقرة : ١٩٧] وهذا مثل قوله في جمع جمل (جِمالَتٌ) [المرسلات : ٣٣] على أحد التفسيرين وهو أكثر من جمال ، وعن المازني أن الجمع لما لا يعقل يجيء الكثير منه بصيغة الواحدة المؤنثة تقول : الجذوع انكسرت والقليل منه يجيء بصيغة الجمع تقول : الأجذاع انكسرن ا ه وهو غير ظاهر.
وقيل المراد بالأيام غير رمضان بل هي أيام وجب صومها على المسلمين عند ما فرض الصيام بقوله : (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) ثم نسخ صومها بصوم رمضان وهي يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر وهي أيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وإليه ذهب معاذ وقتادة وعطاء ولم يثبت من الصوم المشروع للمسلمين قبل رمضان إلّا صوم يوم عاشوراء كما في «الصحيح» وهو مفروض بالسنة ، وإنما ذكر أن صوم عاشوراء والأيام البيض كان فرضا على النبي صلىاللهعليهوسلم ولم يثبت رواية ، فلا يصح كونها المراد من الآية لا لفظا ولا أثرا ، على أنه قد نسخ ذلك كله بصوم رمضان كما دل عليه حديث السائل الذي قال : «لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أفلح إن صدق».
(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).
تعقيب لحكم العزيمة بحكم الرخصة ، فالفاء لتعقيب الأخبار لا للتفريع ، وتقديمه هنا قبل ذكر بقية تقدير الصوم تعجيل بتطمين نفوس السامعين لئلا يظنوا وجوب الصوم عليهم في كل حال.
والمريض من قام به المرض وهو انحراف المزاج عن حد الاعتدال الطبيعي بحيث تثور في الجسد حمى أو وجع أو فشل.
وقد اختلف الفقهاء في تحديد المرض الموجب للفطر ، فأما المرض الغالب الذي لا يستطيع المريض معه الصوم بحال بحيث يخشى الهلاك أو مقاربته فلا خلاف بينهم في أنه مبيح للفطر بل يوجب الفطر ، وأما المرض الذي دون ذلك فقد اختلفوا في مقداره فذهب محققو الفقهاء إلى أنه المرض الذي تحصل به مع الصيام مشقة زائدة على مشقة الصوم