للصحيح من الجوع والعطش المعتادين ، بحيث يسبب له أوجاعا أو ضعفا منهكا أو تعاوده به أمراض ساكنة أو يزيد في انحرافه إلى حد المرض أو يخاف تمادي المرض بسببه. وهذا قول مالك وأبي حنيفة والشافعي على تفاوت بينهم في التعبير ، وأعدل العبارات ما نقل عن مالك ؛ لأن الله أطلق المرض ولم يقيده ، وقد علمنا أنه ما أباح للمريض الفطر إلّا لأن لذلك المرض تأثيرا في الصائم ، ويكشف ضابط ذلك قول القرافي في الفرق الرابع عشر إذ قال : «إن المشاق قسمان : قسم ضعيف لا تنفك عنه تلك العبادة كالوضوء والغسل في زمن البرد وكالصوم ، وكالمخاطرة بالنفس في الجهاد ، وقسم هو ما تنفك عنه العبادة وهذا أنواع : نوع لا تأثير له في العبادة كوجع إصبع ، فإن الصوم لا يزيد وجع الأصبع وهذا لا التفات إليه ، ونوع له تأثير شديد مع العبادة كالخوف على النفس والأعضاء والمنافع وهذا يوجب سقوط تلك العبادة ، ونوع يقرب من هذا فيوجب ما يوجبه» (١).
وذهب ابن سيرين وعطاء والبخاري إلى أن المرض وهو الوجع والاعتلال يسوغ الفطر ولو لم يكن الصوم مؤثرا فيه شدة أو زيادة ؛ لأن الله تعالى جعل المرض سبب الفطر كما جعل السفر سبب الفطر من غير أن تدعو إلى الفطر ضرورة كما في السفر ، يريدون أن العلة هي مظنة المشقة الزائدة غالبا ، قيل دخل بعضهم على ابن سيرين في نهار رمضان وهو يأكل فلما فرغ قال : إنه وجعتني إصبعي هذه فأفطرت ، وعن البخاري قال : اعتللت بنيسابور علة خفيفة في رمضان فعادني إسحاق بن راهويه في نفر من أصحابه فقال لي : أفطرت يا أبا عبد الله قلت : نعم أخبرنا عبدان عن ابن المبارك عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : من أي المرض أفطر؟ قال : من أي مرض كان كما قال الله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) وقيل : إذا لم يقدر المريض على الصلاة قائما أفطر ، وإنما هذه حالة خاصة تصلح مثالا ولا تكون شرطا ، وعزي إلى الحسن والنخعي ولا يخفى ضعفه ؛ إذ أين القيام في الصلاة من الإفطار في الصيام ، وفي هذا الخلاف مجال للنظر في تحديد مدى الانحراف والمرض المسوغين إفطار الصائم ، فعلى الفقيه الإحاطة بكل ذلك ونقربه من المشقة الحاصلة للمسافر وللمرأة الحائض.
وقوله : (أَوْ عَلى سَفَرٍ) أي أو كان بحالة السفر وأصل (على) الدلالة على الاستعلاء ثم استعملت مجازا في التمكن كما تقدم في قوله تعالى : (عَلى هُدىً مِنْ
__________________
(١) «الفروق» للقرافي (١ / ١١٨) ، عالم الكتاب.