رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥] ثم شاع في كلام العرب أن يقولوا فلان على سفر أي مسافر ليكون نصا في التلبس ، لأن اسم الفاعل يحتمل الاستقبال فلا يقولون على سفر للعازم عليه وأما قول ...
ما ذا على البدر المحجّب لو سفر |
|
إن المعذّب في هواه على سفر |
أراد أنه على وشك الممات فخطأ من أخطاء المولدين في العربية ، فنبه الله تعالى بهذا اللفظ المستعمل في التلبس بالفعل ، على أن المسافر لا يفطر حتى يأخذ في السير في السفر دون مجرد النية ، والمسألة مختلف فيها فعن أنس بن مالك أنه أراد السفر في رمضان فرحّلت دابته ولبس ثياب السفر وقد تقارب غروب الشمس فدعا بطعام فأكل منه ثم ركب وقال : هذه السنة ، رواه الدارقطني ، وهو قول الحسن البصري ، وقال جماعة : إذا أصبح مقيما ثم سافر بعد ذلك فلا يفطر يومه ذلك وهو قول الزهري ، ومالك والشافعي والأوزاعي وأبي حنيفة وأبي ثور ، فإن أفطر فعليه القضاء دون الكفارة ، وبالغ بعض المالكية فقال : عليه الكفارة وهو قول ابن كنانة والمخزومي ، ومن العجب اختيار ابن العربي إياه ، وقال أبو عمر بن عبد البر : ليس هذا بشيء لأن الله أباح له الفطر بنص الكتاب ، ولقد أجاد أبو عمر ، وقال أحمد وإسحاق والشّعبي : يفطر إذا سافر بعد الصبح ورووه عن ابن عمر وهو الصحيح الذي يشهد له حديث ابن عباس في «صحيحي البخاري ومسلم» «خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المدينة إلى مكة ، فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بماء فرفعه إلى يديه ليريه فأفطر حتى قدم مكة» ، قال القرطبي : وهذا نص في الباب فسقط ما يخالفه.
وإنما قال تعالى : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ولم يقل : فصيام أيام أخر ، تنصيصا على وجوب صوم أيام بعدد أيام الفطر في المرض والسفر ؛ إذ العدد لا يكون إلّا على مقدار مماثل. فمن للتبعيض إن اعتبر أيام أعم من أيام العدة أي من أيام الدهر أو السنة ، أو تكون من تمييز عدة أي عدة هي أيام مثل قوله : (بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) [آل عمران : ١٢٥].
ووصف الأيام بأخر وهو جمع الأخرى اعتبارا بتأنيث الجمع ؛ إذ كل جمع مؤنث ، وقد تقدم ذلك في قوله تعالى آنفا (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) قال أبو حيّان : واختير في الوصف صيغة الجمع دون أن يقال أخرى لئلا يظن أنه وصف لعدة ، وفيه نظر ؛ لأن هذا الظن لا يوقع في لبس ؛ لأن عدة الأيام هي أيام فلا يعتني بدفع مثل هذا الظن ، فالظاهر أن