تفسير التّحرير والتّنوير [ ج ٢ ]

قائمة الکتاب

البحث

البحث في تفسير التّحرير والتّنوير

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥] ثم شاع في كلام العرب أن يقولوا فلان على سفر أي مسافر ليكون نصا في التلبس ، لأن اسم الفاعل يحتمل الاستقبال فلا يقولون على سفر للعازم عليه وأما قول ...

ما ذا على البدر المحجّب لو سفر

إن المعذّب في هواه على سفر

أراد أنه على وشك الممات فخطأ من أخطاء المولدين في العربية ، فنبه الله تعالى بهذا اللفظ المستعمل في التلبس بالفعل ، على أن المسافر لا يفطر حتى يأخذ في السير في السفر دون مجرد النية ، والمسألة مختلف فيها فعن أنس بن مالك أنه أراد السفر في رمضان فرحّلت دابته ولبس ثياب السفر وقد تقارب غروب الشمس فدعا بطعام فأكل منه ثم ركب وقال : هذه السنة ، رواه الدارقطني ، وهو قول الحسن البصري ، وقال جماعة : إذا أصبح مقيما ثم سافر بعد ذلك فلا يفطر يومه ذلك وهو قول الزهري ، ومالك والشافعي والأوزاعي وأبي حنيفة وأبي ثور ، فإن أفطر فعليه القضاء دون الكفارة ، وبالغ بعض المالكية فقال : عليه الكفارة وهو قول ابن كنانة والمخزومي ، ومن العجب اختيار ابن العربي إياه ، وقال أبو عمر بن عبد البر : ليس هذا بشيء لأن الله أباح له الفطر بنص الكتاب ، ولقد أجاد أبو عمر ، وقال أحمد وإسحاق والشّعبي : يفطر إذا سافر بعد الصبح ورووه عن ابن عمر وهو الصحيح الذي يشهد له حديث ابن عباس في «صحيحي البخاري ومسلم» «خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المدينة إلى مكة ، فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بماء فرفعه إلى يديه ليريه فأفطر حتى قدم مكة» ، قال القرطبي : وهذا نص في الباب فسقط ما يخالفه.

وإنما قال تعالى : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ولم يقل : فصيام أيام أخر ، تنصيصا على وجوب صوم أيام بعدد أيام الفطر في المرض والسفر ؛ إذ العدد لا يكون إلّا على مقدار مماثل. فمن للتبعيض إن اعتبر أيام أعم من أيام العدة أي من أيام الدهر أو السنة ، أو تكون من تمييز عدة أي عدة هي أيام مثل قوله : (بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) [آل عمران : ١٢٥].

ووصف الأيام بأخر وهو جمع الأخرى اعتبارا بتأنيث الجمع ؛ إذ كل جمع مؤنث ، وقد تقدم ذلك في قوله تعالى آنفا (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) قال أبو حيّان : واختير في الوصف صيغة الجمع دون أن يقال أخرى لئلا يظن أنه وصف لعدة ، وفيه نظر ؛ لأن هذا الظن لا يوقع في لبس ؛ لأن عدة الأيام هي أيام فلا يعتني بدفع مثل هذا الظن ، فالظاهر أن