العدول عن أخرى لمراعاة صيغة الجمع في الموصوف مع طلب خفة اللفظ.
ولفظ (أخر) ممنوع من الصرف في كلام العرب. وعلل جمهور النحويين منعه من الصرف على أصولهم بأن فيه الوصفية والعدل ، أما الوصفية ظاهرة وأما العدل فقالوا : لما كان جمع آخر ومفرده بصيغة اسم التفضيل وكان غير معرّف باللام كان حقه أن يلزم الإفراد والتذكير جريا على سنن أصله وهو اسم التفضيل إذا جرد من التعريف باللام ومن الإضافة إلى المعرفة أنه يلزم الإفراد والتذكير فلما نطق به العرب مطابقا لموصوفه في التثنية والجمع علمنا أنهم عدلوا به عن أصله (والعدول عن الأصل يوجب الثقل على اللسان ؛ لأنه غير معتاد الاستعمال) فخففوه لمنعه من الصرف وكأنهم لم يفعلوا ذلك في تثنيته وجمعه بالألف والنون لقلة وقوعهما ، وفيه ما فيه.
ولم تبين الآية صفة قضاء صوم رمضان ، فأطلقت (عدة من أيام أخر) ، فلم تبين أتكون متتابعة أم يجوز تفريقها؟ ولا وجوب المبادرة بها أو جواز تأخيرها ، ولا وجوب الكفارة على الفطر متعمدا في بعض أيام القضاء ، ويتجاذب النظر في هذه الثلاثة دليل التمسك بالإطلاق لعدم وجود ما يقيده كما يتمسك بالعام إذا لم يظهر المخصص ، ودليل أن الأصل في قضاء العبادة أن يكون على صفة العبادة المقضية.
فأما حكم تتابع أيام القضاء ، فروى الدار قطني بسند صحيح قالت عائشة نزلت (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) متتابعات فسقطت متتابعات ، تريد نسخت وهو قول الأئمة الأربعة وبه قال من الصحابة أبو هريرة ، وأبو عبيدة ، ومعاذ بن جبل ، وابن عباس ، وتلك رخصة من الله ، ولأجل التنبيه عليها أطلق قوله : (مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ولم يقيد بالتتابع كما قال في كفارة الظهار وفي كفارة قتل الخطأ. فلذلك ألغى الجمهور إعمال قاعدة جريان قضاء العبادة على صفة المقضي ولم يقيدوا مطلق آية قضاء الصوم بما قيّدت به آية كفارة الظهار وكفارة قتل الخطأ. وفي «الموطأ» عن ابن عمر أنه يقول : يصوم قضاء رمضان متتابعا من أفطره من مرض أو سفر ، قال الباجي في «المنتقى» : يحتمل أن يريد به الوجوب وأن يريد الاستحباب.
وأما المبادرة بالقضاء ، فليس في الكتاب ولا في السنة ما يقتضيها ، وقوله هنا : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) مراد به الأمر بالقضاء ، وأصل الأمر لا يقتضي الفور ، ومضت السنة على أن قضاء رمضان لا يجب فيه الفور بل هو موسّع إلى شهر شعبان من السنة الموالية للشهر الذي أفطر فيه ، وفي «الصحيح» عن عائشة قالت : يكون عليّ الصوم من رمضان فما