أستطيع أن أقضيه إلّا في شعبان. وهذا واضح الدلالة على عدم وجوب الفور ، وبذلك قال جمهور العلماء وشذ داود الظاهري فقال : يشرع في قضاء رمضان ثاني يوم من شوال المعاقب له.
وأما من أفطر متعمدا في يوم من أيام قضاء رمضان فالجمهور على أنه لا كفارة عليه ؛ لأن الكفارة شرعت حفظا لحرمة شهر رمضان وليس لأيام القضاء حرمة وقال قتادة : تجب عليه الكفارة بناء على أن قضاء العبادة يساوي أصله.
(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ)(١).
عطف على قوله : (عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) والمعطوف بعض المعطوف عليه فهو في المعنى كبدل البعض أي وكتب على الذين يطيقونه فدية ؛ فإن الذين يطيقونه بعض المخاطبين بقوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ).
والمطيق هو الذي أطاق الفعل أي كان في طوقه أن يفعله ، والطاقة أقرب درجات القدرة إلى مرتبة العجز ، ولذلك يقولون فيما فوق الطاقة : هذا ما لا يطاق ، وفسرها الفراء بالجهد بفتح الجيم وهو المشقة ، وفي بعض روايات «صحيح البخاري» عن ابن عباس قرأ : (وعلى الذين يطوّقونه فلا يطيقونه). وهي تفسير فيما أحسب ، وقد صدر منه نظائر من هذه القراءة ، وقيل الطاقة القدرة مطلقا.
فعلى تفسير الإطاقة بالجهد فالآية مراد منها الرخصة على من تشتد به مشقة الصوم في الإفطار والفدية.
وقد سمّوا من هؤلاء الشيخ الهرم والمرأة المرضع والحامل فهؤلاء يفطرون ويطعمون عن كل يوم يفطرونه وهذا قول ابن عباس وأنس بن مالك والحسن البصري وإبراهيم النخعي وهو مذهب مالك والشافعي ، ثم من استطاع منهم القضاء قضى ومن لم يستطعه لم يقض مثل الهرم ، ووافق أبو حنيفة في الفطر ؛ إلّا أنّه لم ير الفدية إلّا على الهرم لأنه لا يقضي بخلاف الحامل والمرضع ، ومرجع الاختلاف إلى أن قوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ) هل هي لأجل الفطر أم لأجل سقوط القضاء؟ والآية تحتملهما إلّا أنها في الأول أظهر ، ويؤيد ذلك فعل السلف ، فقد كان أنس بن مالك حين هرم وبلغ عشرا بعد
__________________
(١) في المطبوعة (مساكين) بصيغة الجمع ، وهي قراءة المصنف.