تجيء بها الفصول تنقص أحد عشر يوما وكسرا ، وراموا أن يكون الحج في وقت الفراغ من الزروع والثمار ووقت السلامة من البرد وشدة الحر جعلوا للأشهر كبسا بزيادة شهر في السنة بعد ثلاث سنين وهو المعبر عنه بالنسيء.
وأسماء الشهور كلّها أعلام لها عدا شهر ربيع الأول وشهر ربيع الثاني فلذلك وجب ذكر لفظ الشهر معهما ثم وصفه بالأول والثاني ؛ لأن معناه الشهر الأول من فصل الربيع أعني الأول ، فالأول والثاني صفتان لشهر ، أما الأشهر الأخرى فيجوز فيها ذكر لفظ الشهر بالإضافة من إضافة اسم النوع إلى واحده مثل شجر الأراك ومدينة بغداد ، وبهذا يشعر كلام سيبويه والمحققين فمن قال : إنه لا يقال رمضان إلّا بإضافة شهر إليه بناء على أن رمضان مصدر ، حتى تكلف لمنعه من الصرف بأنه صار بإضافة شهر إليه علما فمنع جزء العلم من الصرف كما منع هريرة في أبي هريرة فقد تكلف شططا وخالف ما روي من قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «من صام رمضان إيمانا واحتسابا» بنصب رمضان وإنما انجر إليهم هذا الوهم من اصطلاح كتاب الديوان كما في «أدب الكاتب».
وإنما أضيف لفظ الشهر إلى رمضان في هذه الآية مع أن الإيجاز المطلوب لهم يقتضي عدم ذكره إما لأنه الأشهر في فصيح كلامهم وإما للدلالة على استيعاب جميع أيامه بالصوم ؛ لأنه لو قال رمضان لكان ظاهرا لا نصا ، لا سيما مع تقدم قوله (أَيَّاماً) [البقرة : ١٨٤] فيتوهم السامعون أنها أيام من رمضان.
فالمعنى أن الجزء المعروف بشهر رمضان من السنة العربية القمرية هو الذي جعل ظرفا لأداء فريضة الصيام المكتوبة في الدين فكلما حل الوقت المعين من السنة المسمى بشهر رمضان فقد وجب على المسلمين أداء فريضة الصوم فيه ، ولما كان ذلك حلوله مكررا في كل عام كان وجوب الصوم مكررا في كل سنة إذ لم ينط الصيام بشهر واحد مخصوص ولأن ما أجري على الشهر من الصفات يحقق أن المراد منه جميع الأزمنة المسماة به طول الدهر.
وظاهر قوله : (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) أن المخاطبين يعلمون أن نزول القرآن وقع في شهر رمضان ، لأن الغالب في صلة الموصول أن يكون السامع عالما باختصاصها بمن أجرى عليه الموصول ، ولأن مثل هذا الحدث الديني من شأنه ألا يخفى عليهم ، فيكون الكلام تذكيرا بهذا الفضل العظيم ، ويجوز أيضا أن يكون إعلاما بهذا الفضل وأجري الكلام على طريقة الوصف بالموصول للتنبيه على أن الموصوف مختص بمضمون هذه