الإسلامية بالصوم في ذلك الشهر ، روى ابن إسحاق أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «جاورت بحراء شهر رمضان» ٠ ، وقال ابن سعد : جاءه الوحي وهو في غار حراء يوم الاثنين لسبع عشرة حلت من رمضان.
وقوله : (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) حالان من (القرآن) إشارة بهما إلى وجه تفضيل الشهر بسبب ما نزل فيه من الهدى والفرقان.
والمراد بالهدى الأول : ما في القرآن من الإرشاد إلى المصالح العامة والخاصة التي لا تنافي العامة ، وبالبينات من الهدى : ما في القرآن من الاستدلال على الهدى الخفي الذي ينكره كثير من الناس مثل أدلة التوحيد وصدق الرسول وغير ذلك من الحجج القرآنية. والفرقان مصدر فرق وقد شاع في الفرق بين الحق والباطل أي إعلان التفرقة بين الحق الذي جاءهم من الله وبين الباطل الذي كانوا عليه قبل الإسلام ، فالمراد بالهدى الأول : ضرب من الهدى غير المراد من الهدى الثاني ، فلا تكرار.
(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).
تفريع على قوله : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) الذي هو بيان لقوله (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) [البقرة : ١٨٣] كما تقدم فهو رجوع إلى التبيين بعد الفصل بما عقب به قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) من استيناس وتنويه بفضل الصيام وما يرجى من عوده على نفوس الصائمين بالتقوى وما حف الله به فرضه على الأمة من تيسير عند حصول مشقة من الصيام.
وضمير (مِنْكُمُ) عائد إلى (الَّذِينَ آمَنُوا) [البقرة : ١٨٣] مثل الضمائر التي قبله ، أي كل من حضر الشهر فليصمه ، و (شَهِدَ) يجوز أن يكون بمعنى حضر كما يقال : إن فلانا شهد بدرا وشهد أحدا وشهد العقبة أو شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم أي حضرها فنصب الشهر على أنه مفعول فيه لفعل (شَهِدَ) أي حضر في الشهر أي لم يكن مسافرا ، وهو المناسب لقوله بعده : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ). إلخ. أي فمن حضر في الشهر فليصمه كله ويفهم أن من حضر بعضه يصوم أيام حضوره.
ويجوز أن يكون (شَهِدَ) بمعنى علم كقوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [آل عمران : ١٨] فيكون انتصاب الشهر على المفعول به بتقدير مضاف أي علم بحلول الشهر ،