استئناف بياني كالعلة لقوله : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً) إلخ بيّن به حكمة الرخصة أي شرع لكم القضاء لأنه يريد بكم اليسر عند المشقة.
وقوله : (وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) نفي لضد اليسر ، وقد كان يقوم مقام هاتين الجملتين جملة قصر نحو أن يقول : ما يريد بكم إلّا اليسر ، لكنه عدل عن جملة القصر إلى جملتي إثبات ونفي لأن المقصود ابتداء هو جملة الإثبات لتكون تعليلا للرخصة ، وجاءت بعدها جملة النفي تأكيدا لها ، ويجوز أن يكون قوله : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) تعليلا لجميع ما تقدم من قوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) [البقرة : ١٨٣] إلى هنا فيكون إيماء إلى أن مشروعية الصيام وإن كانت تلوح في صورة المشقة والعسر فإن في طيها من المصالح ما يدل على أن الله أراد بها اليسر أي تيسير تحصيل رياضة النفس بطريقة سليمة من إرهاق أصحاب بعض الأديان الأخرى أنفسهم.
وقرأ الجمهور : (اليسر) و (العسر) بسكون السين فيهما ، وقرأه أبو جعفر بضم السين ضمة اتباع.
(وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
عطف على جملة : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) إلخ ؛ إذ هي في موقع العلة كما علمت ؛ فإن مجموع هذه الجمل الأربع تعليل لما قبلها من قوله : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ) إلى قوله : (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).
واللام في قوله : (وَلِتُكَبِّرُوا) تسمى شبه الزائدة وهي اللام التي يكثر وقوعها بعد فعل الإرادة وفعل الأمر أي مادة أمر اللذين مفعولهما أن المصدرية مع فعلها ، فحق ذلك المفعول أن يتعدى إليه فعل الإرادة وفعل مادة الأمر بنفسه دون حرف الجر ولكن كثر في الكلام تعديته باللام نحو قوله تعالى : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) [الصف : ٨] قال في «الكشاف» : أصله يريدون أن يطفئوا ، ومنه قوله تعالى : (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) [الزمر : ١٢] والفعل الذي بعد اللام منصوب بأن ظاهرة أو مقدرة.
والمعنى : يريد الله أن تكملوا العدة وأن تكبروا الله ، وإكمال العدة يحصل بقضاء الأيام التي أفطرها من وجب عليه الصوم ليأتي بعدة أيام شهر رمضان كاملة ، فإن في تلك العدة حكمة تجب المحافظة عليها ، فبالقضاء حصلت حكمة التشريع وبرخصة الإفطار لصاحب العذر حصلت رحمة التخفيف.