والظاهر أن مراد أبي حنيفة أن القضاء فيما يقع صحيحا وفاسدا شرعا من كل ما ليس فيه حق العبد أن قضاء القاضي بصحته يتنزل منزلة استكمال شروطه توسعة على الناس ، فلا يخفى ضعف هذا ولذلك لم يتابعه عليه أحد من أصحابه.
وقوله : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) حال مؤكدة لأن المدلي بالأموال للحكام ليأكل أموال الناس عالم لا محالة بصنعه ، فالمراد من هذه الحال تشنيع الأمر وتفظيعه إعلانا بأن أكل المال بهذه الكيفية هو من الذين أكلوا أموال الناس عن علم وعمد فجرمه أشد.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٨٩))
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ).
اعتراض بين شرائع الأحكام الراجعة إلى إصلاح النظام ، دعا إليه ما حدث من السؤال ، فقد روى الواحدي أنها نزلت بسبب أن أحد اليهود سأل أنصاريا عن الأهلة وأحوالها في الدقة إلى أن تصير بدرا ثم تتناقص حتى تختفي فسأل الأنصاري رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت هذه الآية ، ويظهر أن نزولها متأخر عن نزول آيات فرض الصيام ببضع سنين ؛ لأن آية : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) متصلة بها. وسيأتي أن تلك الآية نزلت في عام الحديبية أو عام عمرة القضية. فمناسبة وضعها في هذا الموضع هي توقيت الصيام بحلول شهر رمضان ، فكان من المناسبة ذكر المواقيت لإقامة نظام الجامعة الإسلامية على أكمل وجه ، ومن كمال النظام ضبط الأوقات ، ويظهر أن هذه الآية أيضا نزلت بعد أن شرع الحج أي بعد فتح مكة ، لقوله تعالى : (قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ).
وابتدئت الآية ب (يَسْئَلُونَكَ) لأن هنالك سؤالا واقعا عن أمر الأهلة. وجميع الآيات التي افتتحت ب (يَسْئَلُونَكَ) هي متضمنة لأحكام وقع السؤال عنها فيكون موقعها في القرآن مع آيات تناسبها نزلت في وقتها أو قرنت بها. وروي أن الذي سأله عن ذلك معاذ بن جبل وثعلبة بن غنمة الأنصاري فقالا : ما بال الهلال يبدو دقيقا ثم يزيد حتى يمتلئ ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ ، قال العراقي لم أقف لهذا السبب على إسناد.
وجمع الضمير في قوله : (يَسْئَلُونَكَ) مع أن المروي أن الذي سأله رجلان ـ نظرا