وقد تقدم خلاف القراء في نصب (الْبِرُّ) من قوله : (لَيْسَ الْبِرُّ) [البقرة : ١٧٧] وفي تشديد نون (لكِنَ) من قوله : (وَلكِنَّ الْبِرَّ).
وقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي تظفرون بمطلبكم من البر : فإن البر في اتباع الشرع فلا تفعلوا شيئا إلا إذا كان فيه مرضاة الله ولا تتبعوا خطوات المبتدعين الذين زادوا في الحج ما ليس من شرع إبراهيم.
وقد قيل في تفسير الآية وجوه واحتمالات أخرى كلها بعيدة : فقيل إن قوله (وَلَيْسَ الْبِرُّ) مثل ضربه الله لما كانوا يأتونه من النسيء قاله أبو مسلم وفيه بعد حقيقة ومجازا ومعنى ؛ لأن الآيات خطاب للمسلمين وهم الذين سألوا عن الأهلة ، والنسيء من أحوال أهل الجاهلية ، ولأنه يئول إلى استعارة غير رشيقة ، وقيل : مثل ضرب لسؤالهم عن الأهلة من لا يعلم وأمرهم بتفويض العلم إلى الله وهو بعيد جدا لحصول الجواب من قبل ، وقيل : كانوا ينذرون إذا تعسر عليهم مطلوبهم ألّا يدخلوا بيوتهم من أبوابها فنهوا عن ذلك وهذا بعيد معنى ، لأن الكلام مع المسلمين وهم لا يفعلون ذلك ، وسندا ، إذ لم يرو أحد أن هذا سبب النزول.
(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠))
جملة (وَقاتِلُوا) معطوفة على جملة (وَلَيْسَ الْبِرُّ) [البقرة : ١٨٩] إلخ ، وهو استطراد دعا إليه استعداد النبي صلىاللهعليهوسلم لعمرة القضاء سنة ست وتوقع المسلمين غدر المشركين بالعهد ، وهو قتال متوقع لقصد الدفاع لقوله : (الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) ، وهذه الآية أول آية نزلت في القتال وعن أبي بكر الصديق أول آية نزلت في الأمر بالقتال قوله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) في [سورة الحج : ٣٩] ورجحه ابن العربي بأنها مكية وآية سورة البقرة مدنية. وقد ثبت في «الصحيح» أن رسول الله أرسل عثمان بن عفان إلى أهل مكة فأرجف بأنهم قتلوه فبايع الناس والرسول على الموت في قتال العدو ثم انكشف الأمر عن سلامة عثمان.
ونزول هذه الآيات عقب الآيات التي أشارت إلى الإحرام بالعمرة والتي نراها نزلت في شأن الخروج إلى الحديبية ينبئ بأن المشركين كانوا قد أضمروا ضد النبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمين ثم أعرضوا عن ذلك لما رأوا تهيؤ المسلمين لقتالهم ، فقوله تعالى : (وَلا