نحوا من ذلك.
والمراد تشبيه ذكر الله بذكر آبائهم في الكثرة والتكرير وتعمير أوقات الفراغ به وليس فيه ما يؤذن بالجمع بين ذكر الله وذكر الآباء.
وقوله : (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) أضل أو أنها للتخيير ولما كان المعطوف بها في مثل ما هنا أولى بمضمون الفعل العامل في المعطوف عليه أفادت (أو) معنى من التدرج إلى أعلى ، فالمقصود أن يذكروا الله كثيرا ، وشبه أولا بذكر آبائهم تعريضا بأنهم يشتغلون في ذلك المناسك بذكر لا ينفع وأن الأجدر بهم أن يعوضوه بذكر الله فهذا تعريض بإبطال ذكر الآباء بالتفاخر. ولهذا قال أبو علي الفارسي وابن جنى : إن (أو) في مثل هذا للإضراب الانتقالي ونفيا اشتراط تقدم نفي أو شبهه واشتراط إعادة العامل. وعليه خرج قوله تعالى : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) [الصافات : ١٤٧] ، وعلى هذا فالمراد من التشبيه أولا إظهار أن الله حقيق بالذكر هنالك مثل آبائهم ثم بين بأن ذكر الله يكون أشد لأنه أحق بالذكر.
و (أشد) لا يخلو عن أن يكون معطوفا على مصدر مقدر منصوب على أنه مفعول مطلق بعد قوله : (كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) تقديره : (كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) فتكون فتحة (أَشَدَّ) التي في آخره فتحة نصب ، فنصبه بالعطف على المصدر المحذوف الذي دل عليه قوله (كَذِكْرِكُمْ) والتقدير : ذكرا كذكركم آباءكم ، وعلى هذا الوجه فنصب (ذِكْراً) يظهر أنه تمييز لأشد ، وإذ قد كان (أشد) وصفا لذكر المقدر صار مآل التمييز إلى أنه تمييز الشيء بمرادفه وذلك ينافي القصد من التمييز الذي هو لإزالة الإبهام ، إلّا أن مثل ذلك يقع في الكلام الفصيح وإن كان قليلا قلة لا تنافي الفصاحة اكتفاء باختلاف صورة اللفظين المترادفين ، مع إفادة التمييز حينئذ توكيد المميز كما حكى سيبويه أنهم يقولون : هو أشح الناس رجلا ، وهما خير الناس اثنين ، وهذا ما درج عليه الزجاج في «تفسيره» ، قلت : وقريب منه استعمال تمييز (نعم) توكيدا في قوله جرير :
تزوّد مثل زاد أبيك فينا |
|
فنعم الزاد زاد أبيك زادا |
ويجوز أن يكون نصب (أَشَدَّ) على الحال من (ذكر) الموالي له وأن أصل أشد نعت له وكان نظم الكلام : أو ذكرا أشد ، فقدم النعت فصار حالا ، والداعي إلى تقديم النعت حينئذ هو الاهتمام بوصف كونه أشد ، وليتأتى إشباع حرف الفاصلة عند الوقف عليه ، وليباعد ما بين كلمات الذكر المتكررة ثلاث مرات بقدر الإمكان. أو أن يكون