وقوله : (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) تذييل قصد به تحقيق الوعد بحصول الإجابة ، وزيادة تبشير لأهل ذلك الموقف ، لأن إجابة الدعاء فيه سريعة الحصول ، فعلم أن الحساب هنا أطلق على مراعاة العمل والجزاء عليه.
والحساب في الأصل العد ، ثم أطلق على عد الأشياء التي يراد الجزاء عليها أو قضاؤها ، فصار الحساب يطلق على الوفاء بالحق يقال حاسبه أي كافأه أو دفع إليه حقه ، ومنه سمي يوم القيامة يوم الحساب وقال تعالى : (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي) [الشعراء : ١١٣] وقال (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً) [النبأ : ٣٦] أي وفاقا لأعمالهم ، وهاهنا أيضا أريد به الوفاء بالوعد وإيصال الموعود به ، فاستفادة التبشير بسرعة حصول مطلوبهم بطريق العموم ؛ لأن إجابتهم من جملة حساب الله تعالى عباده على ما وعدهم فيدخل في ذلك العموم.
والمعنى فإذا أتممتم أيها المسلمون مناسك حجكم فلا تنقطعوا عن أن تذكروا الله بتعظيمه وحمده ، وبالالتجاء إليه بالدعاء لتحصيل خير الدنيا وخير الآخرة ، ولا تشتغلوا بالتفاخر ، فإن ذكر الله خير من ذكركم آباءكم كما كنتم تذكرونهم بعد قضاء المناسك قبل الإسلام وكما يذكرهم المشركون الآن. ولا تكونوا كالذين لا يدعون إلّا بطلب خير الدنيا ولا يتفكرون في الحياة الآخرة ، لأنهم ينكرون الحياة بعد الموت فإنكم إن سألتموه أعطاكم نصيبا مما سألتم في الدنيا وفي الآخرة إن الله يعجل باستجابة دعائكم.
(وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٠٣))
معطوف على (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) [البقرة : ٢٠٠] وما بينهما اعتراض ، وإعادة فعل (اذْكُرُوا) ليبنى عليه تعليق المجرور أي قوله : (فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) لبعد متعلقه وهو (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) ، لأنه أريد تقييد الذكر بصفته ثم تقييده بزمانه ومكانه. فالذكر الثاني هو نفس الذكر الأول وعطفه عليه منظور فيه إلى المغايرة بما علق به من زمانه.
والأيام المعدودات أيام منى ، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر ، يقيم الناس فيها بمنى وتسمى أيام التشريق ، لأن الناس يقددون فيها اللحم ، والتقديد تشريق ، أو لأن الهدايا لا تنحر فيها حتى تشرق الشمس. وكانوا يعلمون أن إقامتهم بمنى بعد يوم النحر بعد طواف الإفاضة ثلاثة أيام فيعلمون أنها المراد هنا بالأيام المعدودات ، ولذلك قال جمهور الفقهاء