قالوا ويطلق السلم بلغاته الثلاث على دين الإسلام ونسب إلى ابن عباس ومجاهد وقتادة وأنشدوا قول امرئ القيس بن عابس الكندي في قضية ردة قومه :
دعوت عشيرتي للسّلم لمّا |
|
رأيتهمو تولّوا مدبرينا |
فلست مبدّلا بالله ربا |
|
ولا مستبدلا بالسّلم دينا |
وهذا الإطلاق انفرد بذكره أصحاب التفسير ولم يذكره الراغب في «مفردات القرآن» ولا الزمخشري في «الأساس» وصاحب «لسان العرب» وذكره في «القاموس» تبعا للمفسرين وذكره الزمخشري في «الكشاف» حكاية قول في تفسير السّلم هنا فهو إطلاق غير موثوق بثبوته وبيت الكندي يحتمل معنى المسالمة أي المسالمة للمسلمين ويكون قوله : «دينا» بمعنى العادة اللازمة كما قال المثقب العبدي :
تقول وقد أدرت لها وضيني |
|
أهذا دينه أبدا وديني |
وعن أبي عمرو بن العلاء السّلم بكسر السين هو الإسلام والسّلم بفتح السين المسالمة ، ولذلك قرأ (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ) في هذه السورة بكسر السين لا غير وقرأ التي في سورة الأنفال والتي في سورة محمد صلىاللهعليهوسلم بفتح السين قال الطبري توجيها منه لمعناه هنا إلى أنه الإسلام دون الآيتين الأخريين. وأنكر المبرد هذه التفرقة وقال : اللغة لا تؤخذ هكذا وإنما تؤخذ بالسماع لا بالقياس ويحتاج من فرّق إلى دليل. فكون السلم من أسماء الصلح لا خلاف فيه بين أئمة اللغة فهو مراد من الآية لا محالة وكونه يطلق على الإسلام إذا صح ذلك جاز أي يكون مرادا أيضا ويكون من استعمال المشترك في معنييه. فعلى أن يكون المراد بالسلم المسالمة كما يقتضيه خطابهم بيا أيها الذين آمنوا الذي هو كاللقب للمسلمين كان المعنى أمرهم بالدخول في المسالمة دون القتال ، وكما تقتضيه صيغة الأمر في (ادخلوا) من أن حقيقتها طلب تحصيل فعل لم يكن حاصلا أو كان مفرّطا في بعضه.
فالذي يبدو لي أن تكون مناسبة ذكر هذه الآية عقب ما تقدم هي أن قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) [البقرة : ١٩٠] الآيات تهيئة لقتال المشركين لصدهم المسلمين عن البيت وإرجافهم بأنهم أجمعوا أمرهم على قتالهم ، والإرجاف بقتل عثمان بن عفان بمكة حين أرسله رسول الله إلى قريش ، فذكر ذلك واستطرد بعده ببيان أحكام الحج والعمرة فلما قضى حق ذلك كله وألحق به ما أمر الله بوضعه في موضعه بين في تلك الآيات ، استؤنف هنا أمرهم بالرضا بالسلم والصلح الذي عقده رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع أهل مكة عام الحديبية ، لأن كثيرا من المسلمين كانوا آسفين من وقوعه ومنهم عمر بن