الخطاب فقد قال : ألسنا على الحق وعدوّنا على الباطل فكيف نعطي الدّنية في ديننا رواه أهل «الصحيح» فتكون مدة ما بين نزول المسلمين بالحديبية وتردد الرسل بينهم وبين قريش وما بين وقوع الصلح هي مدة نزول الآيات من قوله تعالى : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) [البقرة : ١٩٠] إلى هنا.
واعلم أنه إذا كان الضمير في قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ) [البقرة : ٢١٠] راجعا إلى (مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ) [البقرة : ٢٠٤] أو (مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ) [البقرة : ٢٠٧] كما سيأتي يكون قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ) اعتراضا بين الجملة ذات المعاد والجملة ذات الضمير. فأما إذا فسر السلم بالإسلام أي دين الإسلام فإن الخطاب بيا أيها الذين آمنوا وأمر المؤمنين بالدخول في الإسلام يؤوّل بأنه أمر بزيادة التمكن منه والتغلغل فيه لأنه يقال دخل الإيمان في قلبه إذا استقر وتمكن ، قال تعالى: (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات : ١٤]. وقال النابغة :
أبى غفلتي أني إذا ما ذكرته |
|
تحرّك داء في فؤادي داخل |
وهذا هو الظاهر ، فيراد بالأمر في (ادخلوا) الدوام على ذلك وقيل أريد بالذين آمنوا الذين أظهروا الإيمان فتكون خطابا للمنافقين. فيؤوّل قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا) بمعنى أظهروا الإيمان فيكون تهكما بهم على حد قوله : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر : ٦] فيكون خطابا للمنافقين وهذا تأويل بعيد لأن الذين آمنوا صار كاللقب لمن اتبع الدين اتباعا حقا ، ولأن الظاهر على هذا أن يثبت للمنافقين وصف الإسلام ويطلب منهم الإيمان دون العكس ، بدليل قوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) [الحجرات : ١٤].
وقيل المراد بالذين آمنوا : الذين آمنوا من اليهود كعبد الله بن سلام فيؤوّل (ادْخُلُوا) بمعنى شدة التلبس أي بترك ما لم يجيء به الدين ، لأنهم استمروا على تحريم السبت وترك شرب ألبان الإبل وبعض ما اعتادوه من أحوالهم أيام تهودهم إذا صح ما رواه أهل «أسباب النزول» أن طائفة من مؤمني اليهود فعلوا ذلك.
ويجوز أن يكون المراد من السلم هنا المعنى الحقيقي ويراد السلم بين المسلمين يأمرهم الله تعالى بعد أن اتصفوا بالإيمان بألا يكون بعضهم حربا لبعض كما كانوا عليه في الجاهلية ، وبتناسي ما كان بين قبائلهم من العداوات ، ومناسبة ذكر هذا عقب ما تقدم أنهم لما أمروا بذكر الله كذكرهم آباءهم وكانوا يذكرون في موسم الحج تراتهم ويفخرون