فخرا قد يفضي إلى الحمية ، أمروا عقب ذلك بالدخول في السّلم ولذلك قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم في خطبة حجة الوداع «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض» فتكون الآية تكملة للأحكام المتعلقة بإصلاح أحوال العرب التي كانوا عليها في الجاهلية ، وبها تكون الآية أصلا في كون السلم أصلا للإسلام وهو رفع التهارج كما قال الشاطبي أي التقاتل وما يفضي إليه ، وإما أن يكون المراد من السّلم هنا السلم مع الله تعالى مع معنى المجاز ، أي ادخلوا في مسالمة الله تعالى باتباع أوامره واجتناب منهياته كما أطلق الحرب على المعصية مجازا في قوله تعالى : (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة : ٢٧٩] وفي الحديث القدسي الذي رواه الترمذي «من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب».
و (كافة) اسم يفيد الإحاطة بأجزاء ما وصف به ، وهو في صورة صوغه كصوغ اسم الفاعلة من كفّ ولكن ذلك مصادفة في صيغة الوضع ، وليس فيها معنى الكف ولا حاجة إلى تكلف بيان المناسبة بين صورة لفظها وبني معناها المقصود في الكلام لقلة جدوى ذلك ، وتفيد مفاد ألفاظ التوكيد الدالة على الشمول والإحاطة.
والتاء المقترنة بها ملازمة لها في جميع الأحوال كيفما كان المؤكد بها مؤنثا كان أو مذكرا مفردا أو جمعا ، نحو (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) [التوبة : ٣٦] ، وأكثر ما يستعمل (افة) في الكلام أنه حال من اسم قبله كما هنا فقوله : «كافة» حال من ضمير (ادْخُلُوا) أي حالة كونكم جميعا لا يستثنى منكم أحد ، وقال ابن هشام في «مغني اللبيب» عند الكلام على الجهة الخامسة من الباب الخامس في ذكر الحال من الفاعل ومن المفعول أن (كافة) إذا استعملت في معنى الجملة والإحاطة لا تكون إلّا حالا مما جرت عليه ، ولا تكون إلّا نكرة ولا يكون موصوفها إلّا مما يعقل ، ولكن الزجاج والزمخشري جوّزا جعل كافة حالا من السلم والسلم مؤنث ، وفي «الحواشي الهندية على المغني للدماميني» أنه وقع كافة اسما لغير العاقل وغير حال بل مضافا في كتاب عمر بن الخطاب لآل كاكلة «قد جعلت لآل كاكلة على كافة بيت مال المسلمين لكل عام مائتي مثقال ذهبا إبريزا في كل عام».
واعلم أن تحجير ما لم يستعمله العرب إذا سوغته القواعد تضييق في اللغة وإنما يكون اتباع العرب في استعمالهم أدخل في الفصاحة لا موجبا للوقوف عنده دون تعدية فإذا ورد في القرآن فقد نهض.
وقوله : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) ، تحذير مما يصدهم عن الدخول في السلم