الناشئة عن الأخوة والمواعظ الصادرة عن الأبوين كانت حجبا لما يهجس من هذا الإحساس.
والرابع لم يكن بالذي يكثر في الوقت الأول من وجود البشر ، لأن الحاجات كانت جارية على وفق الطباع الأصلية ولأن التحسينات كانت مفقودة ، وإنما هذا السبب الرابع من موجبات الرقي والانحطاط في أحوال الجمعيات البشرية الطارئة.
أما حادثة قتل ابن آدم أخاه فما هي إلّا فلتة نشأت عن السبب الثالث عن إحساس وجداني هو الحسد مع الجهل بمغبة ما ينشأ عن القتل ؛ لأن البشر لم يعرف الموت إلّا يومئذ ولذلك أسرعت إليه الندامة ، فتبين أن الصلاح هو حال الأمة يومئذ أو هو الغالب عليها.
وينشأ عن هذا الصلاح والاستقامة في الآباء دوام الاستقامة في النسل ، لأن النسل منسل من ذوات الأصول فهو ينقل ما فيها من الأحوال الخلقية والخلقية ، ولما كان النسل منسلّا من الذكر والأنثى كان بحكم الطبع محصّلا على مجموع من الحالتين فإن استوت الحالتان أو تقاربتا جاء النسل على أحوال مساوية المظاهر لأحوال سلفه ، قال نوح عليهالسلام في عكسه (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) [نوح : ٢٧] ، ومما يدل على أن حال البشر في أول أمره صلاح ما نقله في «الكشاف» عن ابن عباس أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون على شريعة من الحق.
ثم كثرت العائلة البشرية وتكونت منها القبيلة فتكاثرت ونشأ فيها مع الزمان قليلا قليلا خواطر مختلفة ودبت فيها أسباب الاختلاف في الأحوال تبعا لاختلاف بين حالي الأب والأم ، فجاء النسل على أحوال مركبة مخالفة لكل من مفرد حالتي الأب والأم ، وبذلك حدثت أمزجة جديدة وطرأت عليها حينئذ أسباب الانحطاط الأربعة ، وصارت ملازمة لطوائف من البشر بحكم التناسل والتلقي ، هنالك جاءت الحاجة إلى هدي البشر ببعثة الرسل ، والتاريخ الديني دلنا على أن نوحا أول الرسل الذين دعوا إلى الله تعالى قال تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) [الشورى : ١٣] الآية ، ولما ذكر الرسل في آيات القرآن ابتدأهم في جميع تلك الآيات بنوح ولم يذكر آدم وفي حديث الشفاعة في الصحيح تصريح بذلك أن آدم يقول للذين يستشفعون به إني لست هناكم ، ويذكر خطيئته ايتوا نوحا أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض ، وبهذا يتعين أن خطيئة قابيل ليست مخالفة شرع مشروع ، وأن آدم لم يكن رسولا وأنه نبيء صالح أوحي إليه بما يهذب أبناءه