اسْتَوْقَدَ ناراً) [البقرة : ١٧].
و (الَّذِينَ خَلَوْا) هم الأمم الذين مضوا وانقرضوا وأصل (خَلَوْا) خلا منهم المكان فبولغ في إسناد الفعل فأسند إليهم ما هو من صفات مكانهم.
و (مِنْ قَبْلِكُمْ) متعلق بخلوا لمجرد البيان وقصد إظهار الملابسة بين الفريقين.
والمس حقيقته : اتصال الجسم بجسم آخر وهو مجاز في إصابة الشيء وحلوله ، فمنه مس الشيطان أي حلول ضر الجنة بالعقل ، ومسّ سقر : ما يصيب من نارها ، ومسّه الفقر والضر : إذا حل به ، وأكثر ما يطلق في إصابة الشر قال تعالى : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا) [الزمر : ٨] (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا) [يونس : ١٢] (وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) [فصلت : ٥١] (وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) [الأعراف : ٧٣] فالمعنى هنا : حلت بهم البأساء والضراء. وقد تقدم القول في البأساء والضراء عند قوله تعالى: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) [البقرة : ١٧٧].
وقوله : (وَزُلْزِلُوا) أي أزعجوا أو اضطربوا ، وإنما الذي اضطرب نظام معيشتهم ، قال تعالى : (هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) [الأحزاب : ١١] ، والزلزلة تحرك الجسم من مكانه بشدة ، ومنه زلزال الأرض ، فوزن زلزل فعفل ، والتضعيف فيه دال على تكرر الفعل كما قال تعالى : (فَكُبْكِبُوا فِيها) [الشعراء : ٩٤] وقالوا لملم بالمكان إذا نزل به نزول إقامة.
و (حَتَّى) غاية للمس والزلزال ، أي بلغ بهم الأمر إلى غاية يقول عندها الرسول والذين معه متى نصر الله.
ولما كانت الآية مخبرة عن مسّ حل بمن تقدم من الأمم ومنذرة بحلول مثله بالمخاطبين وقت نزول الآية ، جاز في فعل يقول أن يعتبر قول رسول أمة سابقة أي زلزلوا حتى يقول رسول المزلزلين فأل للعهد ، أو حتى يقول كلّ رسول لأمة سبقت فتكون أل للاستغراق ، فيكون الفعل محكيا به تلك الحالة العجيبة فيرفع بعد حتى ؛ لأن الفعل المراد به الحال يكون مرفوعا ، وبرفع الفعل قرأ نافع وأبو جعفر ، وجاز فيه أن يعتبر قول رسول المخاطبينعليهالسلام فأل فيه للعهد والمعنى : وزلزلوا وتزلزلون مثلهم حتى يقول الرسول فيكون الفعل منصوبا ؛ لأن القول لمّا يقع وقتئذ ، وبذلك قرأ بقية العشرة ، فقراءة الرفع أنسب بظاهر السياق وقراءة النصب أنسب بالغرض المسوق له الكلام ، وبكلتا