القراءتين يحصل كلا الغرضين.
ومتى استفهام مستعمل في استبطاء زمان النصر.
وقوله : (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) كلام مستأنف بقرينة افتتاحه بألا ، وهو بشارة من الله تعالى للمسلمين بقرب النصر بعد أن حصل لهم من قوارع صدر الآية ما ملأ القلوب رعبا ، والقصد منه إكرام هذه الأمة بأنها لا يبلغ ما يمسها مبلغ ما مس من قبلها ، وإكرام للرسول صلىاللهعليهوسلم بألا يحتاج إلى قول ما قالته الرسل قبله من استبطاء نصر الله بأن يجيء نصر الله لهاته الأمة قبل استبطائه ، وهذا يشير إلى فتح مكة.
(يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢١٥))
استئناف ابتدائي لابتداء جواب عن سؤال سأله بعض المسلمين النبي صلىاللهعليهوسلم. روى الواحدي عن ابن عباس أن السائل عمرو بن الجموح الأنصاري ، وكان ذا مال فقال يا رسول الله : بما ذا يتصدق وعلى من ينفق؟ وقال ابن عطية : السائلون هم المؤمنون يعني أنه تكرر السؤال عن تفصيل الإنفاق الذي أمروا به غير مرة على الإجمال ، فطلبوا بيان من ينفق عليهم وموقع هذه الآية في هذا الموضع إما لأن نزولها وقع عقب نزول التي قبلها وإما لأمر بوضعها في هذا الموضع جمعا لطائفة من الأحكام المفتتحة بجملة (يَسْئَلُونَكَ) وهي ستة أحكام.
ثم قد قيل إنها نزلت بعد فرض الزكاة ، فالسؤال حينئذ عن الإنفاق المتطوع به وهي محكمة وقيل نزلت قبل فرض الزكاة فتكون بيانا لمصارف الزكاة ثم نسخت بآية (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) الآية في [سورة براءة : ٦٠] ، فهو بتخصيص لإخراج الوالدين والأقربين واليتامى ، وإن كانوا من غير الأصناف الثمانية المذكورة في آية براءة.
و (ما ذا) استفهام عن المنفق (بفتح الفاء) ومعنى الاستفهام عن المنفق السؤال عن أحواله التي يقع بها موقع القبول عند الله ، فإن الإنفاق حقيقة معروفة في البشر وقد عرفها السائلون في الجاهلية. فكانوا في الجاهلية ينفقون على الأهل وعلى الندامى وينفقون في الميسر ، يقولون فلان يتمم أيساره أي يدفع عن أيساره أقساطهم من مال المقامرة ويتفاخرون بإتلاف المال. فسألوا في الإسلام عن المعتدّ به من ذلك دون غيره ، فلذلك طابق الجواب السؤال إذ أجيب : (قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) ، فجاء