وقوله : (بِهِ) الباء فيه لتعدية (كُفْرٌ) وليست للظرفية والضمير المجرور بالباء عائد إلى اسم الجلالة.
و (كُفْرٌ) معطوف على (صَدٌّ) أي صد عن سبيل الله وكفر بالله أكبر من قتال الشهر الحرام وإن كان القتال كبيرا.
و (المسجد الحرام) معطوف على (سبيل الله) فهو متعلق ب (صد) تبعا لتعلق متبوعه به.
وعلم أن مقتضى ظاهر ترتيب نظم الكلام أن يقال : وصدّ عن سبيل الله وكفر به وصد عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله ، فخولف مقتضى هذا النظم إلى الصورة التي جاءت الآية عليها ، بأن قدم قوله (وكفر به) فجعل معطوفا على (صد) قبل أن يستوفى صد ما تعلق به وهو (والمسجد الحرام) فإنه معطوف على (سبيل الله) المتعلق ب (صد) إذ المعطوف على المتعلّق متعلّق فهو أولى بالتقديم من المعطوف على الاسم المتعلّق به ، لأنّ المعطوف على المتعلّق به أجنبي عن المعطوف عليه ، وأما المعطوف على المتعلّق فهو من صلة المعطوف عليه ، والداعي إلى هذا الترتيب هو أن يكون نظم الكلام على أسلوب أدق من مقتضى الظاهر وهو الاهتمام بتقديم ما هو أفظع من جرائمهم ، فإن الكفر بالله أفظع من الصد عن المسجد الحرام ، فكان ترتيب النظم على تقديم الأهمّ فالأهمّ ، فإن الصد عن سبيل الإسلام يجمع مظالم كثيرة ؛ لأنه اعتداء على الناس في ما يختارونه لأنفسهم ، وجحد لرسالة رسول الله ، والباعث عليه انتصارهم لأصنامهم (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) [ص : ٥] فليس الكفر بالله إلا ركنا من أركان الصد عن الإسلام فلذلك قدم الصد عن سبيل الله ثم ثنّى بالكفر بالله ليفاد بدلالة المطابقة بعد أن دلّ عليه الصدّ عن سبيل الله بدلالة التضمن ، ثم عد عليهم الصد عن المسجد الحرام ثم إخراج أهله منه. ولا يصح أن يكون «والمسجد الحرام» عطفا على الضمير في قوله (به) لأنه لا معنى للكفر بالمسجد الحرام فإن الكفر يتعدى إلى ما يعبد وما هو دين وما يتضمن دينا ، على أنهم يعظمون المسجد الحرام ولا يعتقدون فيه ما يسوغ أن يتكلف بإطلاق لفظ الكفر عليه على وجه المجاز.
وقوله : (وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ) أي إخراج المسلمين من مكة ؛ فإنهم كانوا حول المسجد الحرام ؛ لأن في إخراجهم مظالم كثيرة فقد مرض المهاجرون في خروجهم إلى المدينة ومنهم كثير من أصابته الحمى حتى رفعت من المدينة ببركة دعاء الرسول صلىاللهعليهوسلم ، على