أن التفضيل إنما تعلق بوقوع القتال في الأشهر الحرم لا بنفس القتل فإن له حكما يخصه.
والأهل : الفريق الذين لهم مزيد اختصاص بما يضاف إليه اللفظ ، فمنه أهل الرجل عشيرته ، وأهل البلد المستوطنون به ، وأهل الكرم المتصفون به ، أراد به هنا المستوطنين بمكة وهم المسلمون ، وفيه إيماء إلى أنهم أحق بالمسجد الحرام ، لأنهم الذين اتبعوا ملة من بنى المسجد الحرام قال تعالى : (وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) [الأنفال : ٣٤] وقوله : (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) تذييل مسوق مساق التعليل ، لقوله : (وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ) ؛ وإذ قد كان إخراج أهل الحرم منه أكبر من القتل ؛ كان ما ذكر قبله من الصد عن الدّين والكفر بالله والصد عن المسجد الحرام أكبر بدلالة الفحوى ، لأن تلك أعظم جرما من جريمة إخراج المسلمين من مكة.
والفتنة : التشغيب والإيقاع في الحيرة واضطراب العيش فهي اسم شامل لما يعظم من الأذى الداخل على أحد أو جماعة من غيرهم ، وأريد بها هنا ما لقيه المسلمون من المشركين من المصائب في الدين بالتعرض لهم بالأذى بالقول والفعل ، ومنعهم من إظهار عبادتهم ، وقطيعتهم في المعاملة ، والسخرية بهم والضرب المدمي والتمالؤ على قتل الرسول صلىاللهعليهوسلم والإخراج من مكة ومنع من أموالهم ونسائهم وصدهم عن البيت ، ولا يخفى أن مجموع ذلك أكبر من قتل المسلمين واحدا من رجال المشركين وهو عمرو الحضرمي وأسرهم رجلين منهم.
و (أكبر) أي أشد كبرا أي قوة في المحارم ، أي أكبر من القتل الذي هو في الشهر الحرام كبير.
(وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا).
جملة معترضة دعا إلى الاعتراض بها مناسبة قوله : (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) لما تضمنته من صدور الفتنة من المشركين على المسلمين وما تتضمنه الفتنة من المقاتلة التي تداولها المسلمون والمشركون. إذ القتال يشتمل على أنواع الأذى وليس القتل إلّا بعض أحوال القتال ألا ترى إلى قوله تعالى : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) [الحج : ٣٩] فسمى فعل الكفار مع المسلمين مقاتلة وسمى المسلمين مقاتلين بفتح التاء ، وفيه إعلام بأن المشركين مضمرون غزو المسلمين ومستعدون له وإنما تأخروا عنه بعد الهجرة ، لأنهم