المسلمين ؛ والخروج من العقيدة وترك أعمال الإسلام عند الخوارج وبعض المعتزلة القائلين بكفر مرتكب الكبيرة ، ويدل على خروج المسلم من الإسلام تصريحه به بإقراره نصّا أو ضمنا فالنص ظاهر ، والضمن أن يأتي أحد بلفظ أو فعل يتضمن ذلك لا يحتمل غيره بحيث يكون قد نص الله ورسوله أو أجمع المسلمون على أنه لا يصدر إلّا عن كافر مثل السجود للصنم ، والتردد إلى الكنائس بحالة أصحاب دينها. وألحقوا بذلك إنكار ما علم بالضرورة مجيء الرسول به ، أي ما كان العلم به ضروريا قال ابن راشد في «الفائق» «في التكفير بإنكار المعلوم ضرورة خلاف». وفي ضبط حقيقته أنظار للفقهاء محلها كتب الفقه والخلاف.
وحكمة تشريع قتل المرتد ـ مع أن الكافر بالأصالة لا يقتل ـ أن الارتداد خروج فرد أو جماعة من الجامعة الإسلامية فهو بخروجه من الإسلام بعد الدخول فيه ينادي على أنه لما خالط هذا الدين وجده غير صالح ووجد ما كان عليه قبل ذلك أصلح فهذا تعريض بالدين واستخفاف به ، وفيه أيضا تمهيد طريق لمن يريد أن ينسل من هذا الدين وذلك يفضي إلى انحلال الجامعة ، فلو لم يجعل لذلك زاجر ما انزجر الناس ولا نجد شيئا زاجرا مثل توقع الموت ، فلذلك جعل الموت هو العقوبة للمرتد حتى لا يدخل أحد في الدين إلّا على بصيرة ، وحتى لا يخرج منه أحد بعد الدخول فيه ، وليس هذا من الإكراه في الدين المنفي بقوله تعالى: (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) [البقرة : ٢٥٦] على القول بأنها غير منسوخة ، لأن الإكراه في الدين هو إكراه الناس على الخروج من أديانهم والدخول في الإسلام وأما هذا فهو من الإكراه على البقاء في الإسلام.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨))
قال الفخر : في تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان ، أحدهما : أن عبد الله بن جحش قال : يا رسول الله هب أنه لا عقاب علينا فيما فعلنا ، فهل نطمع منه أجرا أو ثوابا؟ فنزلت هذه الآية ؛ لأن عبد الله كان مؤمنا ومهاجرا وكان بسبب هذه المقاتلة مجاهدا (يعني فتحققت فيه الأوصاف الثلاثة). الثاني : أنه تعالى لما أوجب الجهاد بقوله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) [البقرة : ٢١٦] أتبع ذلك بذكر من يقول به ا ه ، والذي يظهر لي أن تعقيب ما قبلها بها من باب تعقيب الإنذار بالبشارة وتنزيه للمؤمنين من احتمال ارتدادهم فإن المهاجرين لم يرتد منهم أحد. وهذه الجملة معترضة بين آيات التشريع.