وقوله : (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) غاية هذا البيان وحكمته ، والقول في لعل تقدم. وقوله (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) يتعلق بتتفكرون لا بيبين ، لأن البيان واقع في الدنيا فقط. والمعنى ليحصل لكم فكر أي علم في شئون الدنيا والآخرة ، وما سوى هذا تكلف.
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
عطف تبيين معاملة اليتامى على تبيين الإنفاق لتعلق الأمرين بحكم تحريم الميسر أو التنزيه عنه فإن الميسر كان بابا واسعا للإنفاق على المحاويج وعلى اليتامى ، وقد ذكر لبيد إطعام اليتامى بعد ذكر إطعام لحوم جزور الميسر فقال :
ويكلّلون إذا الرياح تناوحت |
|
خلجا تمدّ شوارعا أيتامها |
أي تمد أيديا كالرماح الشوارع في اليبس أي قلة اللحم على عظام الأيدي فكان تحريم الميسر مما يثير سؤالا عن سد هذا الباب على اليتامى وفيه صلاح عظيم لهم وكان ذلك السؤال مناسبة حسنة للتخلص إلى الوصاية باليتامى وذكر مجمل أحوالهم في جملة إصلاح الأحوال التي كانوا عليها قبل الإسلام ، فكان هذا وجه عطف هذه الجملة على التي قبلها بواو العطف لاتصال بعض هذه الأسئلة ببعض كما تقدم في قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ).
وقد روي أن السائل عن اليتامى عبد الله بن رواحة ، وأخرج أبو داود عن ابن عباس لما نزل قول الله عزوجل : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [الإسراء : ٣٤] (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) [النساء : ١٠] الآيات انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فاشتد ذلك عليهم فذكر ذلك لرسول الله فأنزل الله (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) الآية مع أن سورة النساء نزلت بعد سورة البقرة ، فلعل ذكر آية النساء وهم من الراوي وإنما أراد أنه لما نزلت الآيات المحذرة من مال اليتيم مثل آية سورة الإسراء [٣٤] (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ففي «تفسير الطبري» بسنده إلى ابن عباس : لما نزلت : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) عزلوا أموال اليتامى فذكروا ذلك لرسول الله فنزلت (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ) أو أن مراد الراوي لما سمع الناس آية سورة النساء تجنبوا النظر في اليتامى فذكروا بآية البقرة إن كان السائل عن آية البقرة غير المتجنب حين نزول آية النساء وأيا ما كان فقد ثبت أن النظر في مصالح الأيتام من أهم مقاصد الشريعة في حفظ النظام فقد كان