والنساء اسم جمع للمرأة لا واحد له من لفظه ، والمراد به هنا الأزواج كما يقتضيه لفظ (فَاعْتَزِلُوا) المخاطب به الرجال ، وإنما يعتزل من كان يخالط.
وإطلاق النساء على الأزواج شائع بالإضافة كثيرا نحو : (يا نِساءَ النَّبِيِّ) [الأحزاب: ٣٠] ، وبدون إضافة مع القرينة كما هنا ، فالمراد اعتزلوا نساءكم أي اعتزلوا ما هو أخص الأحوال بهن وهو المجامعة.
وقوله : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) جاء النهي عن قربانهن تأكيدا للأمر باعتزالهن وتبيينا للمراد من الاعتزال وإنه ليس التباعد عن الأزواج بالأبدان كما كان عند اليهود بل هو عدم القربان ، فكان مقتضى الظاهر أن تكون جملة (وَلا تَقْرَبُوهُنَ) مفصولة بدون عطف ، لأنها مؤكدة لمضمون جملة (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) ومبينة للاعتزال وكلا الأمرين يقتضي الفصل ، ولكن خولف مقتضى الظاهر اهتماما بهذا الحكم ليكون النهي عن القربان مقصودا بالذات معطوفا على التشريعات.
ويكنى عن الجماع بالقربان بكسر القاف مصدر قرب بكسر الراء ولذلك جيء فيه بالمضارع المفتوح العين الذي هو مضارع قرب كسمع متعديا إلى المفعول ؛ فإن الجماع لم يجئ إلا فيه دون قرب بالضم القاصر يقال قرب منه بمعنى دنا وقربه كذلك واستعماله في المجامعة ، لأن فيها قربا ولكنهم غلبوا قرب المكسور العين فيها دون قرب المضموم تفرقة في الاستعمال ، كما قالوا بعد إذا تجافى مكانه وبعد كمعنى البعد المعنوي ولذلك يدعو بلا يبعد.
وقوله : (حَتَّى يَطْهُرْنَ) غاية لاعتزلوا و (لا تَقْرَبُوهُنَ) ، والطهر بضم الطاء مصدر معناه النقاء من الوسخ والقذر وفعله طهر بضم الهاء ، وحقيقة الطهر نقاء الذات ، وأطلق في اصطلاح الشرع على النقاء المعنوي وهو طهر الحدث الذي يقدّر حصوله للمسلم بسبب ، ويقال تطهر إذا اكتسب الطهارة بفعله حقيقة نحو (يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) [التوبة : ١٠٨] أو مجازا نحو (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [الأعراف : ٨٢] ، ويقال اطّهر بتشديد الطاء وتشديد الهاء وهي صيغة تطهّر وقع فيها إدغام التاء في الطاء قال تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) [المائدة : ٦] وصيغة التفعل في هذه المادة لمجرد المبالغة في حصول معنى الفعل ولذلك كان إطلاق بعضها في موضع بعض استعمالا فصيحا.
قرأ الجمهور (حَتَّى يَطْهُرْنَ) بصيغة الفعل المجرّد ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف (يَطْهُرْنَ) بتشديد الطاء والهاء مفتوحتين.