عكس ما تقتضيه القراءة السابقة ؛ وعلى القراءتين فهو تذييل إجمالي ليأخذ كلّ حظه منه وهو اعتراض بين جملة : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا) وجملة : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) [البقرة : ١٤٥] الآية.
وفي قوله : (لَيَعْلَمُونَ) وقوله : (عَمَّا يَعْمَلُونَ) [البقرة : ٩٦] الجناس التام المحرّف على قراءة الجمهور والجناس الناقص المضارع على قراءة ابن عامر ومن وافقه.
(وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥))
(وَلَئِنْ أَتَيْتَ) عطف على قوله : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ) [البقرة : ١٤٤] ، والمناسبة أنهم يعلمون ولا يعملون فلما أفيد أنهم يعلمون أنه الحق على الوجه المتقدم في إفادته التعريض بأنهم مكابرون ناسبت أن يحقق نفي الطّمع في اتّباعهم القبلة لدفع توهم أن يطمع السامع باتباعهم لأنهم يعلمون أحقيتها ، فلذا أكدت الجملة الدالة على نفي اتّباعهم بالقسم واللام الموطئة ، وبالتعليق على أقصى ما يمكن عادة.
والمراد بالذين أوتوا الكتاب عين المراد من قوله : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ) على ما تقدم فإن ما يفعله أحبارهم يكون قدوة لعامتهم فإذا لم يتبع أحبارهم قبلة الإسلام فأجدر بعامتهم أن لا يتبعوها.
ووجه الإظهار في مقام الإضمار هنا الإعلان بمذمتهم حتى تكون هذه الجملة صريحة في تناولهم كما هو الشأن في الإظهار في موقع الإضمار أن يكون المقصود منه زيادة العناية والتمكن في الذهن.
والمراد (بِكُلِّ آيَةٍ) آيات متكاثرة والمراد بالآية الحجة والدليل على أن استقبال الكعبة هو قبلة الحنيفية. وإطلاق لفظ (كل) على الكثرة شائع في كلام العرب قال امرؤ القيس :
فيا لك من ليل كأنّ نجومه |
|
بكل مغار الفتل شدّت بيذبل |
وأصله مجاز لجعل الكثير من أفراد شيء مشابها لمجموع عموم أفراده ، ثم كثر ذلك حتى ساوى الحقيقة فصار معنى من معاني كل لا يحتاج استعماله إلى قرينة ولا إلى اعتبار