الطهر الشرعي يطلق على إزالة النجاسة وعلى رفع الحدث ، والحائض اتصفت بالأمرين ، والذي يمنع زوجها من قربانها هو الأذى ولا علاقة للقربان بالحدث فوجب أن يكون المراد غسل ذلك الأذى ، وإن كان الطهران متلازمين بالنسبة للمرأة المسلمة فهما غير متلازمين بالنسبة للكتابية.
وقال الجمهور منهم مالك والشافعي هو غسل الجنابة وكأنهم أخذوا بأكمل أفراد هذا الاسم احتياطا ، أو رجعوا فيه إلى عمل المسلمات والمظنون بالمسلمات يومئذ أنهن كن لا يتريثن في الغسل الذي يبيح لهن الصلاة فلا دليل في فعلهن على عدم إجزاء ما دونه ، وذهب مجاهد وطاوس وعكرمة إلى أن الطهر هو وضوء كوضوء الصلاة أي مع الاستنجاء بالماء وهذا شاذ.
وذهب أبو حنيفة وصاحباه إلى التفصيل فقالوا : إن انقطع الدم لأقصى أمد الحيض وهو عشرة أيام عندهم جاز قربانها قبل الاغتسال أي مع غسل المحل خاصة ، وإن انقطع الدم لعادة المرأة دون أقصى الحيض لم يصح أن يقربها زوجها إلا إذا اغتسلت أو مضى عليها وقت صلاة ، وإن انقطع لأقلّ من عادتها لم يحل قربانها ولكنها تغتسل وتصلي احتياطا ولا يقربها زوجها حتى تكمل مدة عادتها ، وعللوا ذلك بأن انقطاعه لأكثر أمده انقطاع تام لا يخشى بعده رجوعه بخلاف انقطاعه لأقل من ذلك فلزم أن يتقصى أثره بالماء أو بمضي وقت صلاة ، ثم أرادوا أن يجعلوا من هذه الآية دليلا لهذا التفصيل فقال عبد الحكيم السلكوتي (حتى يطهرن) قرئ بالتخفيف والتشديد فتنزل القراءتان منزلة آيتين ، ولما كانت إحداهما معارضة الأخرى من حيث اقتضاء قراءة التخفيف الطهر بمعنى النقاء واقتضاء الأخرى كونه بمعنى الغسل جمع بين القراءتين بإعمال كل في حالة مخصوصة ا ه ، وهذا مدرك ضعيف ، إذ لم يعهد عد القراءتين بمنزلة آيتين حتى يثبت التعارض ، سلمنا لكنهما وردتا في وقت واحد فيحمل مطلقهما على مقيدهما بأن نحمل الطهر بمعنى النقاء على أنه مشروط بالغسل ، سلمنا العدول عن هذا التقييد فما هو الدليل الذي خص كل قراءة بحالة من هاتين دون الأخرى أو دون حالات أخر ، فما هذا إلا صنع باليد ، فإن قلت لم بنوا دليلهم على تنزيل القراءتين منزلة الآيتين ولم يبنوه مثلنا على وجود (يطهرن) و (يطّهّرن) في موضعين من هذه الآية ، قلت كأنّ سببه أن الواقعين في الآية هما جزءا آية فلا يمكن اعتبار التعارض بين جزئي آية بل يحملان على أن أحدهما مفسر للآخر أو مقيد له.