أمرهم الله به من اعتزال النساء في المحيض أي إن التوبة أعظم شأنا من التطهر أي إن نية الامتثال أعظم من تحقق مصلحة التطهر لكم ، لأن التوبة تطهر روحاني والتطهر جثماني.
ويجوز أن يكون قوله : (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) على حقيقة (من) في الابتداء وحقيقة (حيث) للمكان والمراد المكان الذي كان به أذى الحيض.
وقد قيل : إن جملة (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) معترضة بين جملة (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) وجملة (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) [البقرة : ٢٢٣] [٢٢٣]
(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣))
(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ).
هذه الجملة تذييل ثان لجملة : (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) [البقرة : ٢٢٢] قصد به الارتفاق بالمخاطبين والتأنس لهم لإشعارهم بأن منعهم من قربان النساء في مدة المحيض منع مؤقت لفائدتهم وأن الله يعلم أن نساءهم محل تعهدهم وملابستهم ليس منعهم منهن في بعض الأحوال بأمر هين عليهم لو لا إرادة حفظهم من الأذى ، كقول عمر بن الخطاب لما حمي الحمى «لو لا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرا إنها لبلادهم» وتعتبر جملة (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ) مقدّمة لجملة (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) وفيها معنى التعليل للإذن بإتيانهن أنّى شاءوا ، والعلة قد تجعل مقدمة فلو أوثر معنى التعليل لأخرت عن جملة (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) ولكن أوثر أن تكون مقدمة للتي بعدها لأنه أحكم نسيج نظم ولتتأتى عقبه الفاء الفصيحة.
والحرث مصدر حرث الأرض إذا شقها بآلة تشق التراب ليزرع في شقوقه زريعة أو تغرس أشجار. وهو هنا مطلق على معنى اسم المفعول.
وإطلاق الحرث على المحروث وأنواعه إطلاق متعدد فيطلق على الأرض المجعولة للزرع أو الغرس كما قال تعالى : (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ) [الأنعام : ١٣٨] أي أرض زرع محجورة على الناس أن يزرعوها.
وقال : (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ) [آل عمران : ١٤] أي الجنات والحوائط والحقول.