باستقبال الكعبة ، والتحذير من التهاون في ذلك بحيث يفرض على وجه الاحتمال أنه لو اتبع أهواء أهل الكتاب في ذلك لكان كذا وكذا ، ولذلك كان الموقع لإن لأنّ لها مواقع الشك والفرض في وقوع الشرط.
وقوله : (مِنَ الْعِلْمِ) بيان لما جاءك أي من بعد الذي جاءك والذي هو العلم فجعل ما أنزل إليه هو العلم كلّه على وجه المبالغة.
والأهواء جمع هوى وهو الحب البليغ بحيث يقتضي طلب حصول الشيء المحبوب ولو بحصول ضر لمحصّله ، فلذلك غلب إطلاق الهوى على حبّ لا يقتضيه الرشد ولا العقل ومن ثمّ أطلق على العشق ، وشاع إطلاق الهوى في القرآن على عقيدة الضلال ومن ثم سمّى علماء الإسلام أهل العقائد المنحرفة بأهل الأهواء.
وقد بولغ في هذا التحذير باشتمال مجموع الشرط والجزاء على عدة مؤكدات أومأ إليها صاحب «الكشّاف» وفصّلها صاحب «الكشف» إلى عشرة وهي : القسم المدلول عليه باللام ، واللام الموطئة للقسم لأنها تزيد القسم تأكيدا ، وحرف التوكيد في جملة الجزاء ، ولام الابتداء في خبرها ، واسمية الجملة ، وجعل حرف الشرط الحرف الدال على الشك وهو (إن) المقتضي أن أقل جزء من اتّباع أهوائهم كاف في الظّلم ، والإتيان بإذن الدالة على الجزائية فإنها أكّدت ربط الجزاء بالشرط ، والإجمال ثم التفصيل في قوله : (ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) فإنه يدل على الاهتمام والاهتمام بالوازع يؤول إلى تحقيق العقاب على الارتكاب لانقطاع العذر ، وجعل ما نزل عليه هو نفس العلم.
والتعريف في (الظَّالِمِينَ) الدالّ على أنه يكون من المعهودين بهذا الوصف الذين هو لهم سجية. ولا يخفى أن كل ما يؤول إلى تحقيق الربط بين الجزاء والشرط أو تحقيق سببه أو تحقيق حصول الجزاء أو تهويل بعض متعلقاته ، كل ذلك يؤكد المقصود من الغرض المسوق لأجله الشرط.
والتعبير بالعلم هنا عن الوحي واليقين الإلهي إعلان بتنويه شأن العلم ولفت لعقول هذه الأمة إليه لما يتكرر من لفظه على أسماعهم.
وقوله : (لَمِنَ الظَّالِمِينَ) أقوى دلالة على الانصاف بالظلم من إنك لظالم كما تقدم عند قوله : (قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) [البقرة : ٦٧].
والمراد بالظالمين الظالمون أنفسهم وللظلم مراتب دخلت كلها تحت هذا الوصف