الشاق مع التسريح الذي لا يتكرر».
وقد أخذ قوم من الآية منع الجمع بين الطلاق الثلاث في كلمة ، بناء على أن المقصود من قوله (مَرَّتانِ) التفريق وسنذكر ذلك عند قوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ) [البقرة : ٢٣٠] الآية.
(وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ).
يجوز أن تكون الواو اعتراضية ، فهو اعتراض بين المتعاطفين ، وهما قوله : (فَإِمْساكٌ) وقوله (فَإِنْ طَلَّقَها) ويجوز أن تكون معطوفة على (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) لأن من إحسان التسريح ألا يأخذ المسرح وهو المطلق عوضا عن الطلاق ، وهذه مناسبة مجىء هذا الاعتراض ، وهو تفنن بديع في جمع التشريعات والخطاب للأمة ، ليأخذ منه كل أفرادها ما يختص به ، فالزوج يقف عن أخذ المال ، وولي الأمر يحكم بعدم لزومه ، وولي الزوجة أو كبير قبيلة الزوج يسعى ويأمر وينهى (وقد كان شأن العرب أن يلي هذه الأمور ذوو الرأي من قرابة الجانبين) وبقية الأمة تأمر بالامتثال لذلك ، وهذا شأن خطابات القرآن في التشريع كقوله : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) إلى قوله : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها) [النساء : ٥] وإليه أشار صاحب «الكشاف».
وقال ابن عطية والقرطبي وصاحب «الكشاف» : الخطاب في قوله : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ) للأزواج بقرينة قوله (أَنْ تَأْخُذُوا) وقوله : (آتَيْتُمُوهُنَ) والخطاب في قوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) للحكام ، لأنه لو كان للأزواج لقيل : فإن خفتم ألا تقيموا أو ألا تقيما ، قال في «الكشاف» : «ونحو ذلك غير عزيز في القرآن» ا ه يعني لظهور مرجع كل ضمير من قرائن المقام ونظره في «الكشاف» بقوله تعالى في سورة الصف [١٣] (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) على رأي صاحب «الكشاف» ، إذ جعله معطوفا على (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) إلخ لأنه في معنى آمنوا وجاهدوا أي فيكون معطوفا على الخطابات العامة للأمة ، وإن كان التبشير خاصا به الرسول صلىاللهعليهوسلم ، لأنه لا يتأتى إلا منه. وأظهر من تنظير صاحب «الكشاف» أن تنظره بقوله تعالى فيما يأتي : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَ) [البقرة : ٢٣٢] إذ خوطب فيه المطلّق والعاضل ، وهما متغايران.
والضمير المؤنث في (آتَيْتُمُوهُنَ) راجع إلى (الْمُطَلَّقاتُ) ، المفهوم من قوله : (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) لأن الجنس يقتضي عددا من المطلقين والمطلقات ، وجوز في «الكشاف»