وخص الأبناء لشدة تعلق الآباء بهم فيكون التملي من رؤيتهم كثيرا فتتمكن معرفتهم فمعرفة هذا الحق ثابتة لجميع علمائهم.
وعدل عن أن يقال يعلمونه إلى (يَعْرِفُونَهُ) لأن المعرفة تتعلق غالبا بالذوات والأمور المحسوسة قال تعالى : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) [المطففين : ٢٤] وقال زهير :
فلأيا عرفت الدّار بعد توهم
وتقول عرفت فلانا ولا تقول عرفت علم فلان ، إلّا إذا أردت أن علمه صار كالمشاهد عندك ، ولهذا لا يعدى فعل العرفان إلى مفعولين كما تعدى أفعال الظن والعلم ، ولهذا يوصف الله تعالى بصفة العلم فيقال العليم ، ولا يوصف بصفة المعرفة فلا يقال الله يعرف كذا ، فالمعنى يعرفون الصفات الرسول صلىاللهعليهوسلم وعلاماته المذكورة في كتبهم ، ويعرفون الحق كالشيء المشاهد.
والمراد بقوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أحبار اليهود والنصارى ولذلك عرّفوا بأنهم أوتوا الكتاب أي علموا علم التوراة وعلم الإنجيل.
وقوله : (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) تخصيص لبعض الذين أوتوا الكتاب بالعناد في أمر القبلة وفي غيره مما جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم وذم لهم بأنهم يكتمون الحق وهم يعلمونه وهؤلاء معظم الذين أوتوا الكتاب قبل ابن صوريا وكعب بن الأشرف فبقي فريق آخر يعلمون الحق ويعلنون به وهم الذين آمنوا بالنبيء عليه الصلاة والسلام من اليهود قبل عبد الله بن سلام ، ومن النصارى مثل تميم الدّاري وصهيب.
أما الذين لا يعلمون الحق فضلا عن أن يكتموه فلا يعبأ بهم في هذا المقام ولم يدخلوا في قوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) ولا يشملهم قوله : (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ).
(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧))
تذييل لجملة : (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَ) [البقرة : ١٤٦] ، على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا الحق ، وحذف المسند إليه في مثل هذا مما جرى على متابعة الاستعمال في حذف المسند إليه بعد جريان ما يدل عليه مثل قولهم بعد ذكر الديار «ربع قواء» وبعد ذكر الممدوح «فتى» ونحو ذلك كما نبه عليه صاحب «المفتاح». وقوله : (فَلا