الأخرى بتسريحهن مقارنا للإحسان ، خيف أن يتوهم أن الأمر بالإحسان عند تسريحهن للوجوب فعقبه بهذا تنبيها على أن الأمر للندب لا للوجوب».
وقوله : (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً) تصريح بمفهوم (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) إذ الضرار ضد المعروف ، وكأن وجه عطفه مع استفادته من الأمر بضده التشويه بذكر هذا الضد لأنه أكثر أضداد المعروف يقصده الأزواج المخالفون لحكم الإمساك بالمعروف ، مع ما فيه من التأكيد ، ونكتته تقرير المعنى المراد في الذهن بطريقتين غايتهما واحدة وقال الفخر : نكتة عطف النهي على الأمر بالضد في الآية هي أن الأمر لا يقتضي التكرار بخلاف النهي ، وهذه التفرقة بين الأمر والنهي غير مسلمة ، وفيها نزاع في علم الأصول ، ولكنه بناها على أن الفرق بين الأمر والنهي هو مقتضى اللغة. على أن هذا العطف إن قلنا : إن المعروف في الإمساك حيثما تحقق انتفى الضرار ، وحيثما انتفى المعروف تحقق الضرار ، فيصير الضرار مساويا لنقيض المعروف ، فلنا أن نجعل نكتة العطف حينئذ لتأكيد حكم الإمساك بالمعروف: بطريقي إثبات ونفي ، كأنه قيل : (ولا تمسكوهن إلّا بالمعروف) ، كما في قول السموأل :
تسيل على حد الظّبات نفوسنا |
|
وليست على غير الظّبات تسيل |
والضرار مصدر ضارّ ، وأصل هذه الصيغة أن تدل على وقوع الفعل من الجانبين ، مثل خاصم ، وقد تستعمل في الدلالة على قوة الفعل مثل : عافاك الله ، والظاهر أنها هنا مستعملة للمبالغة في الضر ، تشنيعا على من يقصده بأنه مفحش فيه.
ونصب (ضِراراً) على الحال أو المفعولية لأجله.
وقوله : (لِتَعْتَدُوا) جرّ باللام ولم يعطف بالفاء ؛ لأن الجر باللام هو أصل التعليل ، وحذف مفعول «تعتدوا» ليشمل الاعتداء عليهن وعلى أحكام الله تعالى ، فتكون اللام مستعملة في التعليل والعاقبة. والاعتداء على أحكام الله لا يكون علة للمسلمين ، فنزل منزلة العلة مجازا في الحصول ، تشنيعا على المخالفين ، فحرف اللام مستعمل في حقيقته ومجازه.
وقوله (فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) جعل ظلمهم نساءهم ظلما لأنفسهم ، لأنه يؤدي إلى اختلال المعاشرة واضطراب حال البيت وفوات المصالح بشغب الأذهان في المخاصمات. وظلم نفسه أيضا بتعريضها لعقاب الله في الآخرة.