تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) نهي عن أن يكون من الشاكّين في ذلك والمقصود من هذا.
والتعريف في (الْحَقُ) تعريف الجنس كما في قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) [الفاتحة : ٢] وقولهم الكرم في العرب هذا التعريف لجزئي الجملة الظاهر والمقدّر يفيد قصر الحقيقة على الذي يكتمونه وهو قصر قلب أي لا ما يظهرونه من التكذيب وإظهار أن ذلك مخالف للحق.
والامتراء افتعال من المراء وهو الشك ، والافتعال فيه ليس للمطاوعة ومصدر المرية لا يعرف له فعل مجرّد بل هو دائما بصيغة الافتعال.
والمقصود من خطاب النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ) [البقرة : ١٢٠] ، وقوله : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) تحذير الأمة وهذه عادة القرآن في كل تحذير مهم ليكون خطاب النبي بمثل ذلك وهو أقرب الخلق إلى الله تعالى وأولاهم بكرامته دليلا على أن من وقع في مثل ذلك من الأمة قد حقت عليه كلمة العذاب ، وليس له من النجاة باب ، ويجوز أن يكون الخطاب في قوله : (مِنْ رَبِّكَ) وقوله : (فَلا تَكُونَنَ) خطابا لغير معيّن من كل من يصلح ها الخطاب.
(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨))
عطف على جملة : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) [البقرة : ١٤٦] ، فهو من تمام الاعتراض ، أو عطف على جملة : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) [البقرة : ١٤٥] مع اعتبار ما استؤنف عنه من الجمل ، ذلك أنه بعد أن لقّن الرسول عليه الصلاة والسلام ما يجيب به عن قولهم (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ) ، وبعد أن بين للمسلمين فضيلة قبلتهم وأنهم على الحق وأيأسهم من ترقب اعتراف اليهود بصحة استقبال الكعبة ، ذيل ذلك بهذا التذييل الجامع لمعان سامية ، طيّا لبساط المجادلة مع اليهود في أمر القبلة ، كما يقال في المخاطبات «دع هذا» أو «عدّ عن هذا» ، والمعنى أن لكل فريق اتجاها من الفهم والخشية عند طلب الوصول إلى الحق. وهذا الكلام موجه إلى المسلمين أي اتركوا مجادلة أهل الكتاب في أمر القبلة ولا يهمنكم خلافهم فإن خلاف المخالف لا يناكد حق المحق. وفيه صرف للمسلمين بأن يهتموا بالمقاصد ويعتنوا بإصلاح مجتمعهم ، وفي معناه قوله تعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [البقرة : ١٧٧] الآية ، ولذلك أعقبه بقوله : (فَاسْتَبِقُوا