كما في القرطبي والبيضاوي ، ويظهر من كلام ابن الفرس في «أحكام القرآن» أنّ هذا قول مالك. وقال ابن رشد في «البيان والتحصيل» : إن قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) ومحمول على عمومه في ذات الزوج وفي المطلقة مع عسر الأب ، ولم ينسبه إلى مالك ، ولذلك قال ابن عطية : قوله : (يُرْضِعْنَ) خبر معناه الأمر على الوجوب لبعض الوالدات ، والأمر على الندب والتخيير لبعضهن وتبعه البيضاوي ، وفي هذا استعمال صيغة الأمر في القدر المشترك وهو مطلق الطلب ولا داعي إليه. والظاهر أن حكم إرضاع الأم ولدها في العصمة يستدل له بغير هذه الآية ، ومما يدل على أنه ليس المراد الوالدات اللائي في العصمة قوله تعالى : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَ) الآية ، فإن اللائي في العصمة لهن النفقة والكسوة بالأصالة.
والحول في كلام العرب : العام ، وهو مشتق من تحول دورة القمر أو الشمس في فلكه من مبدأ مصطلح عليه ، إلى أن يرجع إلى السمت الذي ابتدأ منه ، فتلك المدة التي ما بين المبدأ والمرجع تسمى حولا.
وحول العرب قمري وكذلك أقره الإسلام.
ووصف الحولين بكاملين تأكيد لرفع توهم أن يكون المراد حولا وبعض الثاني ؛ لأن إطلاق التثنية والجمع في الأزمان والأسنان ، على بعض المدلول ، إطلاق شائع عند العرب ، فيقولون : هو ابن سنتين ويريدون سنة وبعض الثانية ، كما مر في قوله : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) [البقرة : ١٩٧].
وقوله : (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) ، قال في «الكشاف» : «بيان لمن توجه إليه الحكم كقوله : (هَيْتَ لَكَ) [يوسف : ٢٣] ، فلك بيان للمهيّت له أي هذا الحكم لمن أراد أن يتم الإرضاع» أي فهو خبر مبتدأ محذوف ، كما أشار إليه ، بتقدير هذا الحكم لمن أراد. قال التفتازاني : «وقد يصرح بهذا المبتدأ في بعض التراكيب كقوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) [النساء : ٢٥] وما صدق (من) هنا من يهمه ذلك : وهو الأب والأم ومن يقوم مقامهما من ولي الرضيع وحاضنه. والمعنى : أن هذا الحكم يستحقه من أراد إتمام الرضاعة ، وأباه الآخر ، فإن أرادا معا عدم إتمام الرضاعة فذلك معلوم من قوله : (فَإِنْ أَرادا فِصالاً) الآية.
وقد جعل الله الرضاع حولين رعيا لكونهما أقصى مدة يحتاج فيها الطفل للرضاع إذا عرض له ما اقتضى زيادة إرضاعه ، فأما بعد الحولين فليس في نمائه ما يصلح له الرضاع