الْخَيْراتِ) ، فقوله : (أَيْنَ ما تَكُونُوا) في معنى التعليل للأمر باستباق الخيرات. فهكذا ترتيب الآية على هذا الأسلوب كترتيب الخطب بذكر مقدّمة ومقصد وبيان له وتعليل وتذييل.
و (كل) اسم دال على الإحاطة والشمول ، وهو مبهم يتعين بما يضاف هو إليه فإذا حذف المضاف إليه عوض عنه تنوين كل وهو التنوين المسمى تنوين العوض لأنه يدل على المضاف إليه فهو عوض عنه.
وحذف ما أضيف إليه (كل) هنا لدلالة المقام عليه وتقدير هذا المحذوف (أمّة) لأن الكلام كله في اختلاف الأمم في أمر القبلة ، وهذا المضاف إليه المحذوف يقدر بما يدل عليه الكلام من لفظه كما في قوله تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ) [البقرة : ٢٨٥] أو يقدر بما يدل عليه معنى الكلام المتقدم دون لفظ تقدمه كما في قوله تعالى : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ) [النساء : ٣٣] في سورة النساء ، ومنه ما في هذه الآية لأن الكلام على تخالف اليهود والنصارى والمسلمين في قبلة الصلاة ، فالتقدير ولكل من المسلمين واليهود والنصارى وجهة ، وقد تقدم نظيره عند قوله تعالى : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) [البقرة : ١١٦].
والوجهة حقيقتها البقعة التي يتوجه إليها فهي وزن فعلة مؤنث فعل الذي هو بمعنى مفعول مثل ذبح ، ولكونها اسم مكان لم تحذف الواو التي هي فاء الكلمة عند اقتران الاسم بهاء التأنيث لأن حذف الواو في مثله إنما يكون في فعلة بمعنى المصدر.
وتستعار الوجهة لما يهتم به المرء من الأمور تشبيها بالمكان الموجه إليه تشبيه معقول بمحسوس ، ولفظ (وِجْهَةٌ) في الآية صالح للمعنيين الحقيقي والمجازي فالتعبير به كلام موجه وهو من المحاسن ، وقريب منه قوله : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) [المائدة : ٤٨].
وضمير (هُوَ) عائد للمضاف إليه (كل) المحذوف.
والمفعول الأول لموليها محذوف إذ التقدير هو موليها نفسه أو وجهه على نحو ما بيناه في قوله تعالى : (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ) [البقرة : ١٤٢] والمعنى هو مقبل عليها وملازم لها.
وقراءة الجمهور «موليها» بياء بعد اللام وقرأه ابن عامر «هو مولّاها» بألف بعد اللام