وقرأ ابن كثير (آتَيْتُمْ) بترك همزة التعدية. فالمعنى عليه : إذا سلمتم ما جئتم ، أي ما قصدتم ، فالإتيان حينئذ مجاز عن القصد ، كقوله تعالى : (إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الصافات : ٨٤] وقال زهير :
وما كان من خير أتوه فإنما |
|
توارثه آباء آبائهم قبل |
وقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) تذييل للتخويف ، والحث على مراقبة ما شرع الله ، من غير محاولة ولا مكابدة ، وقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ) تذكير لهم بذلك ، وإلّا فقد علموه. وقد تقدم نظيره آنفا.
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤))
انتقال إلى بيان عدة الوفاة بعد الكلام عن عدة طلاق وما اتصل بذلك من أحكام الإرضاع عقب الطلاق ، تقصيا لما به إصلاح أحوال العائلات ، فهو عطف قصة على قصة.
ويتوفون مبني للمجهول ، وهو من الأفعال التي التزمت العرب فيها البناء للمجهول مثل عني واضطر ، وذلك في كل فعل قد عرف فاعله ما هو ، أو لم يعرفوا له فاعلا معينا. وهو من توفاه الله أو توفاه الموت فاستعمال التوفي منه مجاز ، تنزيلا لعمر الحي منزلة حق للموت ، أو لخالق الموت ، فقالوا : توفى فلان كما يقال : توفى الحق ونظيره قبض فلان ، وقبض الحق فصار المراد من توفى : مات ، كما صار المراد من قبض وشاع هذا المجاز حتى صار حقيقة عرفية وجاء الإسلام فقال الله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) [الزمر : ٤٢] وقال : (حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) [النساء : ١٥] وقال : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) [السجدة : ١١] فظهر الفاعل المجهول عندهم في مقام التعليم أو الموعظة ، وأبقي استعمال الفعل مبنيا للمجهول فيما عدا ذلك إيجازا وتبعا للاستعمال.
وقوله : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) خبر (الذين) وقد حصل الربط بين المبتدأ والخبر بضمير (يَتَرَبَّصْنَ) ، العائد إلى الأزواج ، الذي هو مفعول الفعل المعطوف على الصلة ، فهن أزواج المتوفين ؛ لأن الضمير قائم مقام الظاهر ، وهذا الظاهر قائم مقام المضاف إلى ضمير المبتدأ ، بناء على مذهب الأخفش والكسائي من الاكتفاء في الربط بعود الضمير