الوفاة للأمة كمثل الحرة ، وليس في تنصيفها أثر ، ومستند الإجماع قياس مع وجود الفارق.
وأما الحوامل فالخلاف فيهن قوي ؛ فذهب الجمهور إلى أن عدتهن من الوفاة وضع حملهن ، وهو قول مالك ، عمر وابنه وأبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي هريرة ، وهو قول عمر : «لو وضعت حملها وزوجها على سريره لم يدفن لحلت للأزواج» وحجتهم حديث سبيعة الأسلمية زوج سعد بن خولة ، توفي عنها بمكة عام حجة الوداع (١) وهي حامل فوضعت حملها بعد نصف شهر كما في «الموطأ» ، أو بعد أربعين ليلة ، فذكرت ذلك لرسول اللهصلىاللهعليهوسلم فقال لها : «قد حللت فانكحي إن بدا لك» واحتجوا أيضا بقوله تعالى في آية سورة الطلاق [٤] (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) وعموم (أولات الأحمال) ، مع تأخر نزول تلك السورة عن سورة البقرة يقضي بالمصير إلى اعتبار تخصيص عموم ما في سورة البقرة ، وإلى هذا أشار قول ابن مسعود «من شاء باهلته ، لنزلت سورة النساء القصرى ـ يعني سورة (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ) [الطلاق : ١] ـ بعد الطولى» أي السورة الطولى أي البقرة ـ وليس المراد سورة النساء الطولى. وعندي أن الحجة للجمهور ، ترجع إلى ما قدمناه من أن حكمة عدة الوفاة هي تيقن حفظ النسب ، فلما كان وضع الحمل أدل شيء على براءة الرحم كان مغنيا عن غيره ، وكان ابن مسعود يقول : «أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة» يريد أنها لو طال أمد حملها لما حلت.
وعن علي وابن مسعود أن عدة الحامل في الوفاة أقصى الأجلين ، واختاره سحنون من المالكية فقال بعض المفسرين : إن في هذا القول جمعا بين مقتضى الآيتين ، وقال بعضهم : في هذا القول احتياط ، وهذه العبارة أحسن ؛ إذ ليس في الأخذ بأقصى الأجلين جمع بين الآيتين بالمعنى الأصولي ؛ لأنّ الجمع بين المتعارضين معناه أن يعمل بكلّ منهما : في حالة أو زمن أو أفراد ، غير ما أعمل فيه بالآخر ، بحيث يتحقق في صورة الجمع عمل بمقتضى المتعارضين معا ، ولذلك يسمون الجمع بإعمال النصين ، والمقصود من الاعتداد تحديد أمد التربص والانتظار ، فإذا نحن أخذنا بأقصى الأجلين ، أبطلنا
__________________
(١) وهو الذي روي في شأنه عن الزهري في الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «اللهم امض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة» قال الزهري : يرثى له رسول الله أن مات بمكة.