ضمير الشأن ، أي هي قصة الرسل وأممهم ، فضّلنا بعض الرسل على بعض فحسدت بعض الأمم أتباع بعض الرسل فكذّب اليهود عيسى ومحمدا عليهما الصلاة والسلام وكذب النصارى محمدا صلىاللهعليهوسلم.
وقرن اسم الإشارة بكاف البعد تنويها بمراتبهم كقوله : (ذلِكَ الْكِتابُ) [البقرة : ٢].
واسم الإشارة مبتدأ والرسل خبر ، وليس الرسل بدلا لأنّ الإخبار عن الجماعة بأنّها الرسل أوقع في استحضار الجماعة العجيب شأنهم الباهر خبرهم ، وجملة «فضّلنا» حال.
والمقصود من هذه الآية تمجيد سمعة الرسل عليهمالسلام ، وتعليم المسلمين أنّ هاته الفئة الطيّبة مع عظيم شأنها قد فضّل الله بعضها على بعض ، وأسباب التفضيل لا يعلمها إلّا الله تعالى ، غير أنّها ترجع إلى ما جرى على أيديهم من الخيرات المصلحة للبشر ومن نصر الحق ، وما لقوه من الأذى في سبيل ذلك ، وما أيّدوا به من الشرائع العظيمة المتفاوتة في هدى البشر ، وفي عموم ذلك الهدي ودوامه ، وإذا كان الرسول صلىاللهعليهوسلم يقول : «لأن يهدي الله بك رجلا خير لك ممّا طلعت عليه الشمس» ، فما بالك بمن هدى الله بهم أمما في أزمان متعاقبة ، ومن أجل ذلك كان محمد صلىاللهعليهوسلم أفضل الرّسل. ويتضمن الكلام ثناء عليهم وتسلية للرسول عليهالسلام فيما لقي من قومه.
وقد خصّ الله من جملة الرسل بعضا بصفات يتعيّن بها المقصود منهم ، أو بذكر اسمه ، فذكر ثلاثة إذ قال : منهم من كلّم الله ، وهذا موسى عليهالسلام لاشتهاره بهذه الخصلة العظيمة في القرآن ، وذكر عيسى عليهالسلام ، ووسط بينهما الإيماء إلى محمد صلىاللهعليهوسلم بوصفه ، بقوله : (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ).
وقوله : (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) يتعيّن أن يكون المراد من البعض هنا واحدا من الرسل معيّنا لا طائفة ، وتكون الدرجات مراتب من الفضيلة ثابتة لذلك الواحد : لأنّه لو كان المراد من البعض جماعة من الرسل مجملا ، ومن الدرجات درجات بينهم لصار الكلام تكرارا مع قوله فضّلنا بعضهم على بعض ، ولأنّه لو أريد بعض فضّل على بعض لقال ، ورفع بعضهم فوق بعض درجات كما قال في الآية الأخرى : (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) [الأنعام : ١٦٥].
وعليه فالعدول من التصريح بالاسم أو بالوصف المشهور به لقصد دفع الاحتشام عن المبلّغ الذي هو المقصود من هذا الوصف وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ، والعرب تعبّر بالبعض عن