وقوله : (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) أي يعلمكم الشريعة فالكتاب هنا هو القرآن باعتبار كونه كتاب تشريع لا باعتبار كونه معجزا ويعلمكم أصول الفضائل ، فالحكمة هي التعاليم المانعة من الوقوع في الخطأ والفساد ، وتقدم نظيره في دعوة إبراهيم وسيأتي أيضا عند قوله تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٦٩] في هذه السورة.
وقدمت جملة : (وَيُزَكِّيكُمْ) على جملة : (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) هنا عكس ما في الآية السابقة في حكاية قول إبراهيم : (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) [البقرة : ١٢٩] ، لأن المقام هنا للامتنان على المسلمين فقدم فيها ما يفيد معنى المنفعة الحاصلة من تلاوة الآيات عليهم وهي منفعة تزكية نفوسهم اهتماما بها وبعثا لها بالحرص على تحصيل وسائلها وتعجيلا للبشارة بها. فأما في دعوة إبراهيم فقد رتبت الجمل على حسب ترتيب حصول ما تضمنته في الخارج ، مع ما في ذلك التخالف من التفنن.
وقوله : (وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) تعميم لكل ما كان غير شريعة ولا حكمة من معرفة أحوال الأمم وأحوال سياسة الدول وأحوال الآخرة وغير ذلك.
وإنما أعاد قوله : (وَيُعَلِّمُكُمُ) مع صحة الاستغناء عنه بالعطف تنصيصا على المغايرة لئلا يظن أن : (ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) هو الكتاب والحكمة ، وتنصيصا على أن : (ما لَمْ تَكُونُوا) مفعولا لا مبتدأ حتى لا يترقب السامع خبرا له فيضل فهمه في ذلك الترقب ، واعلم أأن حرف العطف إذا جيء معه بإعادة عامل كان عاطفه عاملا على مثله فصار من عطف الجمل لكن العاطف حينئذ أشبه بالمؤكد لمدلول العامل.
(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (١٥٢))
الفاء للتفريع عاطفة جملة الأمر بذكر الله وشكره على جمل النعم المتقدمة أي إذ قد أنعمت عليكم بهاته النعم فأنا آمركم بذكري.
وقوله : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) فعلان مشتقان من الذكر بكسر الذال ومن الذكر بضمها والكل مأمور به لأننا مأمورون بتذكر الله تعالى عند الإقدام على الأفعال لنذكر أوامره ونواهيه ـ قال تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) [آل عمران : ١٣٥] وعن عمر بن الخطاب أفضل من ذكر الله باللسان ذكر الله عند أمره ونهيه ـ ، ومأمورون بذكر اسم الله تعالى بألسنتنا في جمل تدل على حمده وتقديسه