تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) [نوح : ١٥ ، ١٦] ، فيجوز أن تكون السموات طبقات من الأجواء مختلفة الخصائص متمايزة بما يملّاها من العناصر ، وهي مسبح الكواكب ، ولقد قال تعالى (سورة الملك) : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) [الملك : ٥] ، ويجوز أن تكون السماوات هي الكواكب العظيمة المرتبطة بالنظام الشمس وهي : فلكان ، وعطارد ، والزهرة ، وهذه تحت الشمس إلى الأرض ، والمريخ ، والمشتري ، وزحل ، وأورانوس ، ونبتون ، وهذه فوق الشمس على هذا الترتيب في البعد ، إلّا أنّها في عظم الحجم يكون أعظمها المشتري ، ثم زحل ، ثم نبتون ، ثم أورانوس ، ثم المريخ ، فإذا كان العرش أكبرها فهو المشتري ، والكرسي دونه فهو زحل ، والسبع الباقية هي المذكورة ، ويضم إليها القمر ، وإن كان الكرسي هو العرش فلا حاجة إلى عدّ القمر ، وهذا هو الظاهر ، والشمس من جملة الكواكب ، وقوله تعالى : (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) [نوح : ١٦] تخصيص لها بالذكر للامتنان على الناس بأنّها نور للأرض ، إلّا أنّ الشمس أكبر من جميعها على كل تقدير. وإذا كانت السماوات أفلاكا سبعة لشموس غير هذه الشمس ولكل فلك نظامه كما لهذه الشمس نظامها فذلك جائز ـ وسبحان من لا تحيط بعظمة قدرته الأفهام ـ فيكون المعنى على هذا أن الله تعالى نبهنا إلى عظيم قدرته وسعة ملكوته بما يدل على ذلك مع موافقته لما في نفس الأمر ، ولكنّه لم يفصّل لنا ذلك لأنّ تفصيله ليس من غرض لاستدلال على عظمته ، ولأن العقول لا تصل إلى فهمه لتوقفه على علوم واستكمالات فيها لم تتمّ إلى الآن ، ولتعلمنّ نبأه بعد حين.
وجملة (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) عطفت على جملة (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ) لأنّها من تكملتها وفيها ضمير معاده في التي قبلها ، أي إنّ الذي أوجد هاته العوالم لا يعجز عن حفظها.
وآده جعله ذا أود. والأود ـ بالتحريك ـ العوج ، ومعنى آده أثقله لأن المثقّل ينحني فيصير ذا أود.
وعطف عليه (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) لأنّه من تمامه ، والعلو والعظمة مستعاران لشرف القدر وجلال القدرة.
ولهذه الآية فضل كبير لما اشتملت عليه من أصول معرفة صفات الله تعالى ، كما اشتملت سورة الإخلاص على ذلك وكما اشتملت كلمة الشهادة. في «الصحيحين» عن أبي هريرة «أنّ آتيا أتاه في الليل فأخذ من طعام زكاة الفطر فلما أمسكه قال له إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال معك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح» فقال